توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نذالة مبكرة

  مصر اليوم -

نذالة مبكرة

مصر اليوم

  يتخرج المرء من الجامعة ويندفع الى الحياة العملية مفعم بالأمل ممتلئاً بالطاقة الروحية، حالماً بالأهداف والمثل العليا وراغباً في تغيير الكون. ومع أول احتكاك له بعالم العمل ودنيا الوظائف يلاحظ ان زملاء له حديثي التخرج مثله يتقربون ويتزلفون ويمسحون الأعتاب من أجل بلوغ الحظوة ونيل المكانة عند الكبار بما يؤهلهم لسرعة الترقي وتجاوز الآخرين! عندما حدث هذا معي منذ سنوات بعيدة فإن ثقتي اهتزت بالحياة ذاتها، ليس لأني كنت أفترض البراءة في البشر، ولكن لأنني تساءلت في فزع: متى تعلّم هؤلاء الصغار كل هذه الآليات المنحطة التي يمارسها الكبار متذرعين بألف حجة، كوجود مسؤوليات عائلية أو من أجل الحرص على تربية العيال وتأمين مستقبلهم الى آخر هذه الأعذار التي يمكن ان نفهمها دون ان نقرها أو نوافق عليها؟ أما الشاب الذي تخرج أمس من الجامعة وليس عنده أعباء أو مسؤوليات عائلية فما عذره؟ ومتى وأين تعلم كل هذا النفاق واللوع؟.. لقد كنا بالأمس نخرج في المظاهرات الجامعية نسب ونلعن أحياء وميّتين أو كل ما لا يعجبنا ومن لا يعجبنا، ولم نكن نبالي بالعواقب شأننا شأن كل الشباب الحي في جميع أنحاء العالم.. فمن أين أتى هؤلاء الخانعون؟ وهل كانوا حقاً زملاء لنا في الجامعة دون ان نلحظ وجودهم؟ المشكلة أننا كنا نشعر بالعجز ازاء الأساليب التي كانوا يبدونها في التملق والانحناء، وكنا نرى أنفسنا بلا حيلة حتى لو قررنا ان نكون مثلهم.. ذلك ان هذه المهارات تحتاج لصقل وتدريب ولا يمكن لمن كان ذا كرامة وكبرياء ان يفوز في مباريات من هذا النوع. الآن بت أعتقد ان الرومانسية والأحلام الثورية هي التي أعمت عيوننا عن رؤية ان جانباً لا بأس به من زملائنا كانوا يهتمون بالمذاكرة فقط ولا يشاركون في أي نشاط مما يميز الكائنات الحية كالرحلات والانشطة الاجتماعية ومجلات الحائط وممارسة الهوايات الرياضية والفنية والأدبية، والغريب ان هؤلاء المجتهدين الذين أصبحوا أوائل الدفعة كانوا محدودي الثقافة، ضيقي الأفق ولا يمتلكون النظرة النقدية للأمور على الرغم من الحرث اليومي في الكتب المقررة! ولا شك في ان نفس الرومانسية هي التي منعتنا من تصديق ان جانباً معتبراً من زملائنا كان يعملون مرشدين ومخبرين عند أجهزة الأمن وكانوا يكتبون التقارير عن النكت التي قيلت بكافيتيريا الكلية، والأشعار التي ألقيت، والأغاني التي تغنينا بها.. ولا شك في ان أولئك وهؤلاء هم الذين أتوا من الجامعة الى العمل متسلحين بأدوات العصر المنحطة المؤهلة للولوج الى المستقبل والقفز الى المراكز المتقدمة.. وهو ما حدث فعلاً! مع التقدم في العمر والتجربة لاحظت ان عدداً من الزملاء الذين ظلوا على احترامهم لأنفسهم لسنوات بدأوا يتساقطون من الإعياء بسبب طول المشوار وقلة محطات الراحة على الطريق، وبعد ان أفنوا العمر في الزرع ففي النهاية لم يطلع المحصول! ومن العجب أنني لم أشعر بالغضب من هؤلاء بقدر ما أشفقت عليهم مما أضاعوه من وقت وقد كان يمكنهم لو بدأوا مبكرين ان يحجزوا لأنفسهم نصيباً أكبر من الكعكة التي اتجهوا نحوها بعد ان صارت فتاتاً! وعندما أنظر الى الصورة بعد ما يزيد على ربع قرن من التخرج فإنني ألاحظ ان أصحاب الموهبة كانوا أكثر من غيرهم قدرة على مواصلة الطريق دون انحناء، ذلك ان الموهبة تفتح الأبواب وتعظم من الخيارات كما تقلل من الاحتياج للطرق الملتوية وتجعل صاحبها في غنى عن السلطة وذهبها.. وما زلت لم أتخلص حتى الآن من الدهشة بخصوص زملائي الأنذال الذين اكتسبوا المهارات المنحطة مبكراً في غفلة منا، بينما كانت قيم الحق والخير والجمال هي ما يشغلنا!   نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نذالة مبكرة نذالة مبكرة



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon