توقيت القاهرة المحلي 13:45:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السيطرة على المشهد الإعلامي

  مصر اليوم -

السيطرة على المشهد الإعلامي

عبدالرحمن الراشد

رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أراد إيصال رسالة سهلة للناس بأن المجتمع في حاجة للسلطة ضد الفوضى، فقال إنه من دونها لن يستطيع الناس حماية حتى مؤخراتهم. وكانت تلك العبارة المثيرة كافية لإشغال الناس أسبوعا بأكثر من مليون تعليق ظريف عليها. في السابق، ما كان لرئيس الهيئة أن يتباسط في حديثه، ولا كان بإمكان أحد معرفة ردود فعل الناس على تصريح خارج النص كهذا. اليوم، نحن في عالم تفاعلي، ما نكتبه نسمع صداه لحظيا، لا يهم إن كان الرد منطقيا أو تحرشيا. في السابق، كانت الساحة الإعلامية سهلة التضاريس، وكان التربع عليها أمرا يسهل حسمه، إما بالسيطرة عليها من خلال القرارات، مثل منح أو منع الرخص الطباعية والإذاعية، وإما باستثمارات ضخمة. الآن، التراخيص لم تعد ضرورية للتواصل في الهواء المفتوح، والاستثمارات الفردية الصغيرة قادرة على تكوين نشاط إعلامي يستطيع من خلال التوأمة والتشارك والتدوير احتلال مساحة جيدة في السوق. هل هذه الحالة الجديدة حققت رضا نقاد الوضع القديم؟ ليس تماما، لقد كبرت السوق الإعلامية على الجميع وانشطرت إلى آلاف من الوحدات الجماهيرية. ثم إنه بين المتاجرة والمتعة ضاعت الجماعات الأخرى التي كانت تتمنى كسر الاحتكار الحكومي والتجاري. السعودية، مثلا، من أكثر الدول استهلاكا للهواتف التفاعلية، بل يضعها تقرير الأمم المتحدة كأكثر بلد في العالم نسبة الهواتف الجوالة فيه 180 هاتفا لكل مائة شخص. طبعا، هذا قد لا يعكس قيمة معلوماتية، فالسوق الإعلامية لا تزال تحبو، في طور النمو والتبدل. وفي نظري، وبخلاف ما يقوله البعض، سنعود إلى الوضع السابق في وقت لاحق، أي زمن هيمنة المؤسسات الكبيرة وسلطة التراخيص. السبب يعود إلى أن التراسل بالمعلومات يتحول تدريجيا من ممارسات شخصية إلى سوق عامة، والسوق ستقود إلى مدارات التكسب المادي، والمؤسسات التي تستثمر وتتوسع وتتطور هي التي ستهيمن. أما الوضع في المنطقة اليوم فهو يتضخم، لكن باتت السوق في فوضى، بدلا من أن تنقسم إلى سوقين كما كان يتنبأ به البعض في السابق، فيها يهاجم المسؤولون بعضهم بعضا، ويحرض المعارضون بعضهم ضد بعض، والفضائح الشخصية لا حدود لها ولا تتوقف أبدا. والإباحية، صورا وفيديوهات ولغة، شاعت أكثر بملايين المرات عما كانت عليه في السابق، ولم يعد هناك ما يمكن السيطرة عليه، بمعنى تنظيم السوق المعلوماتية. إنما في الفترة الفاصلة الحالية، الفوضى مستمرة، كل يريد احتلال أكبر مساحة يمكنه السيطرة عليها. البعض يبني لنفسه ممالك إعلامية، والبعض يريد بناء جماعات أو تكتلات فكرية أو مصالح مشتركة. وفي زمن الانفتاح التقني لم يعد سهلا التأثير منفردا على الرأي العام بسبب ضخامة التعددية. لهذا لا توجد موجات رأي غالبة كما كان يريد البعض من المعارضين لتيار الإعلام الواحد. الفوضى، أو أكثر دقة التعددية، هي سمة اليوم بوجود وسائل إرسال واستقبال حرة لا نهاية لها، والخاسر ليست فقط الحكومية والموالية لها، بل كذلك القوى الأخرى التي طالما تمنت نهاية الهيمنة الواحدة حتى تجد لنفسها القدرة على الوجود والتأثير الواسع. الشاهد الباقي، الوحيد، المؤثر، والفاعل، والمحرك لا يزال هو المحتوى، سواء كان رسالة، أو تغريدة، أو فيديو، أو خبرا في صحيفة، أو في التلفزيون. الذي يصنع المحتوى يبقى ملك الساحة، وهذه كانت دائما التحديات التي تواجه وسائل الإعلام التقليدية؛ العثور على صناع المحتوى المبدعين من كتّاب النصوص وأصحاب الأفكار الجديدة. ومع الوقت سيحتضن كل فريق جمهوره، متراجعا عن طموحاته بالسيطرة على الجماهير المتعددة. وبسبب الانشطارات المتعددة أفقيا، وهي غالبا إيجابية، ظهرت أيضا وسائل إعلام، أو تواصل، متناهية الصغر، وبعضها متناهي التخصص، حلقات نقاش أطباء، وحضور لقراء الفلك، واهتمام بالتاريخ المحلي للقرى، واسترجاع للصور التاريخية، وهواة التصوير، والقائمة طويلة، إضافة إلى المهتمين فقط بصناعة الرأي والتأثير عليه دون حدود أو قواعد مهنية، لا فرق بين الأمانة والتحريف.  نقلاً عن "الشرق الأوسط"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيطرة على المشهد الإعلامي السيطرة على المشهد الإعلامي



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon