توقيت القاهرة المحلي 23:33:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خرافة 'صفقة القرن'

  مصر اليوم -

خرافة صفقة القرن

بقلم - نيرڤانا محمود

في تموز عام 2017، كتب عبد الحميد المجالي في جريدة الدستور الأردنية، أن العرب أكثر شعوب العالم إيمانا بنظرية المؤامرة. وأوضح كيف أن كثيرين في العالم العربي ينظرون إلى الأحداث على أنها مؤامرات يجري التخطيط لها في غرف مظلمة في الغرب. وبعد عام تقريبا، تفجرت الاحتجاجات في الأردن ضد تدابير التقشف المدعومة من صندوق النقد الدولي. ومثل جميع الأزمات في العالم العربي، استحضرت الاحتجاجات في الأردن نظرية مؤامرة أخرى ـ "صفقة القرن". ولكن بخلاف المؤامرات السابقة، لا تلوم النسخة الجديدة من نظرية المؤامرة الغرب فقط، بل بعض الدول العربية، وبصورة رئيسية السعودية وحلفاءها. ولهذا السبب بالتحديد هي خطيرة ومدمرة.

بدأ تداول مصطلح "صفقة القرن" منذ أكثر من عام، عندما أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبته في تحقيق حل شامل للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وعززت علاقة إدارة ترامب الجيدة مع الحكومة الإسرائيلية والدول العربية الرئيسية الآمال بإنعاش مبادرة السلام العربية التي أعلنت عام 2002، والتي تنص على الاعتراف بإسرائيل في مقابل دولة فلسطينية حدودها تلك التي وجدت قبل حرب عام 1967.

أثار اهتمام ترامب جدلا صاخبا حول ما إذا كانت هذه الصفقة معقولة، حتى في غياب أي تفاصيل حول مبادرة ترامب، خصوصا عندما التقى بالرئيس الفلسطيني في بيت لحم في أيار/مايو 2017.

ولم يكن على الرئيس الأميركي أن يقول أي شيء؛ إذ قرر كثير من العرب أن يستفيضوا في الحديث عن نسختهم من "صفقة القرن". وخلال الـ 12 شهرا الماضية، سمعت سيناريوهات مدوية حول هذه الصفقة الغامضة، على كل من وسائل الإعلام العامة أو وسائل التواصل الاجتماعي. لقد استطرد العرب من مواطنين عاديين وناشطين ثوريين إلى محللين وصحافيين، في تفاصيل هذه "الصفقة المريبة". تم تداول سيناريوهات عديده وغريبة مثل أن الأردن هو فلسطين الجديدة، أو أن سيناء امتداد لغزة.

وجاءت موجة الاحتجاجات الأخيرة في الأردن بمثابة هدية لأصحاب نظرية المؤامرة المزعومة هذه. وتحولت تغريدة تقول "إنهم يريدون تدمير الأردن، لأنه رفض الالتزام بصفقة القرن" إلى تعويذة مرادفة تقريبا لأخبار الاحتجاجات في شوارع المدن الأردنية. إلا إن ما كان ثابتا في جميع السيناريوهات المختلفة هو الدور الذي نسب لبعض الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات ومصر في مثل هذه المؤامرات، وتصوير تلك الدول كخائنة للقضية الفلسطينية.

إن الأعداء التقليديين، مثل أميركا وإسرائيل، وجميع الأسباب الموجبة التي شرحها المجالي بدقة، ليست التفسيرات الوحيدة. بعد عقود من ترسيخ نظرية المؤامرة في الوعي العربي، تحولت المخططات الخيالية إلى أسلحة تستخدم لشيطنة بعض الدول العربية.

وعلى عكس نظريات المؤامرات الأخرى، فإن "مؤامرة صفقة القرن" تكتسب قوة وجاذبية بين كثيرين، ليس فقط بسبب عدم الثقة الممتدة لقرن من الزمان، في الدوافع الغربية، أو العلاقات الدافئة لإدارة ترامب مع إسرائيل، بل لأنها تخدم مصالح دول وتحالفات معينة في المنطقة.

ساهم حدثان بشكل غير مباشر في نشر الشائعات عن مؤامرة "صفقة القرن"؛ أزمة قطر وانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة الإيرانية. في آذار/مارس 2002، لم يوجه أي نقد جدي عندما كشف الملك السعودي الراحل عبدالله النقاب عن مبادرة السلام العربية. لكن ذلك كان قبل الربيع العربي، وكانت السعودية محصنة تقريبا من النقد.

ولكن في فترة ما بعد الربيع العربي، أعيد رسم الخارطة السياسية للمنطقة. وظهرت ثلاثة معسكرات؛ اثنان من الإسلامويين: المعسكر الإيراني ومعسكر قطر والإخوان المسلمين، وثالث مكون من السعودية وحلفائها طلق الإسلاموية.

وكما تغيرت الخريطة تغيرت أدوات الصراع. أصبح ما يسمى بـ"صفقة القرن" أداة ملائمة في أيدي أولئك الذين أضحت مهمتهم تشويه سمعة المعسكر السعودي. في المخطط المزعوم، تم تصوير المنطقة العازلة في مصر في شمال سيناء، لا كتدبير لمكافحة الإرهاب كما أكدت مصر، بل كتحضير لإعادة توطين الفلسطينيين في المستقبل. كما يتم تصوير الضعف الاقتصادي الحالي في الأردن على أنه تكتيك متعمد، لاسيما من قبل السعودية والإمارات، بهدف مساعدة إسرائيل على إنشاء دولة فلسطين في الأردن، بدلا من الضفة الغربية.

هنا في موقع الحرة، أوضحت جويس كرم الواقع في الأردن، وكيف أن الاحتجاجات لا علاقة لها بأي مؤامرة أو صفقة أجنبية. وسبق لي أنا أيضا أن دحضت، في مقال سابق، أسطورة مقترح إنشاء دولة فلسطينية في سيناء.

ولكن، كيف للمنطق أن ينتصر حين يستخدم الدين والقومية لخدمة معسكرات معينة في المنطقة؟

يستغل مروجو صفقة القرن الجدل بين موقفين متعارضين في المنطقة: الأول موقف عقائدي يشير إلى أن الفلسطينيين سيكونون الخاسرين في نهاية المطاف إن عقدوا أي اتفاق سلام مع إسرائيل. والثاني موقف براغماتي، مدفوع بالخوف من أن الوضع الراهن سيضر في نهاية المطاف بالقضية الفلسطينية، وأن هناك حاجة إلى صفقة مع إسرائيل.

يحق للناس أن يختلفوا مع التوجه البراغماتي، لكن ليسل هم الحق في تصوير البراغماتية على أنها الخيانة.

ــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

 

نقلا عن الحرة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خرافة صفقة القرن خرافة صفقة القرن



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon