توقيت القاهرة المحلي 12:48:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هنا المقاهى فأين الرفاق؟

  مصر اليوم -

هنا المقاهى فأين الرفاق

بقلم - خولة مطر

تمر بالمقاهى كثيرا، ربما باحثا عن أولئك الذين قال عنهم محمود درويش أن تعيد المقاهى ولكن هل تستطيع أن تعيد الرفاق.. كانوا يقولون إن فى كل مدينة مقبرة ولم يقولوا إن فى كل مدينة مقهى أيضا، وهو الذى كان الفضاء الذى يجتمع فيه الشعراء والأدباء والسياسيون والناشطون وكل المعنيين بالشأن العام والنائمون فى بحور من القلق على مستقبل وطن كان أو أمة فتتتها النزاعات والمصالح الضيقة والخيانات المتكررة ليس للوطن فحسب بل حتى للتاريخ والدين وكل المنطق …

***

كلما حللت بمدينة عدت لتبحث عن ذاك المقهى وكأنك تنبش فى كراسة الذكريات ربما محاولا أن تبقى ذاكرتك حية وأنت تعلم كم من الأصحاب والرفاق قد سقطوا ضحية الـ«ألزهايمر» وأمراض فقدان الذاكرة أو ربما بحثا عن مساحة من الجمال كانت وبعض الأمل فى سماوات الظلمات الحاضرة والقادمة…

***

بتلك المدينة العريقة وأنت فى ساعات الجرى الصباحية بين اجتماع وآخر، تتوقف عند ذاك المقهى وتبحث عن الوجوه المتعبة من عبق الأيام أو زحمتها.. لا يحزنك أن وجوها جديدة قد احتلت تلك الكراسى المرتصة ولا أن «الشيشة» غزت هذه المقاهى العريقة أكثر وأكثر ولا أن البعض قد رحل سريعا فترك خلفه كرسى مع بعض قصاصات كتب وكثير من الأحاديث والنكت.. ما يحزنك حقا أن بعض أو كثير من تلك المقاهى قد تحول إلى عدم أو مسخ مقهى أو حتى هدم لمحو آخر ما تبقى من الذاكرة وفى مدن أخرى طاردت البنوك والشركات المقاهى العريقة فاستولت عليها وحولتها إلى مجرد مقر جديد أو مساحة لتداول الأوراق النقدية أليست هى الأهم الآن من أى جهد ثقافى أو حضارى فى أى بلد عربى؟؟؟؟؟

***

شوهت المقاهى أو سقطت فى بحر ثقافة الاستهلاك المادية البحتة.. يقول ذاك الصحفى المحبط «كلما أغلق مقهى فتح مطعم للوجبات السريعة وهو الأكثر ربحية لأصحابه كلهم يبحثون عن الربح السريع.. بل ربما كلنا..» يسكت قليلا ويأخذ رشفة من كوب شايه منزوع السكر ذى المذاق الغريب ويحمل بعض كتبه ويرحل بعيدا ربما فى بحر اكتئابه أو ربما حتى يبقى بعض الصور الجميلة نابضة فى الذاكرة المتهالكة..

***

بين هذا وذاك يبقى الأصدقاء أو ما تبقى منهم يحملون أوراقهم ويرتحلون بين مقهى ومقهى آخر فلم تعد المقاهى تحب الجالسين طويلا بل تحب «الزبائن» الخفيفى الظل الذين يصرفون أكثر ويجلسون أقل.. ثقافة جديدة على ثقافة المقاهى الكلاسيكية التى هى فى مجملها الجلوس مطولا وتأمل المارة والبحث عن قادمين جدد للبدء فى حوار يتنوع بين السياسة والثقافة والفن وكثير من الموسيقى والجمال الإنسانى النادر..

***

فى الأيام الصعبة يبحث الصديق عن آخر حقيقى، هو ذاك الذى قيل دوما إنه مرآة الآخر الذى يعكس صديقه دون كذب أو نفاق وهو القادر على فهم ما يدور بذهن صديقه أو بقلبه وهو الذى يجمع ما تبقى من الأصدقاء لمساعدة ذاك الرفيق الذى يمر بظرف طارئ صعب وهو الباقى الذى يرافق صديقه كالظل حتى ولو كان من بعيد فالظل لا يترك صاحبه وقت الشدة والظل لا ينكر صديقه لأى سبب كان..

***

سيقولون لك إن الصداقات قد شحت كثيرا وأن الرفاق لن يعودوا، ولن يعود من يعوضهم، ويرشدوك إلى دليل المسكين فى زمن السكين !!! ويكثرون من العبارات حول سذاجة تلك المرحلة وذاك الجيل وأن المصالح هى التى تحكم العلاقات بل سيسعون لإقناعك بأنه حتى فى ذاك الزمن الجميل لمقاهى الرفقة الطيبة كانت المصلحة هى من تجمع الرفاق.. صعب أن يصدق أو أن يقبل المرء أن فى زمن التمزق رحلت الصداقات ولم يبق لك سوى القبيلة والطائفة لرفقة الزمن المتبقى.. صعب أن تصدق أن الاختلاف فى الرأى السائد قد عمق الشرخ ورحل كل إلى سربه يغرد مع باقى الغربان وليس الطيور بغنائها الشجى.. صعب أن تصدق أنه عندما وقعت لم تجد اليد التى تمتد نحوك ترفعك من الأرض فتعود لوقفتك الشامخة.. صعب أن تتصدع العلاقات إلى درجة تصبح هى والمقاهى مواد لحنين دائم.. صعب وصعب أن تبكى غزيرا فى مساءات عربية شديدة الظلمة فلا صدى إلا لنحيبك وأنغام موسيقى ذاك الزمن الجميل عندما كان الصديق يدرك تعبك من نبرة صوتك عبر الهاتف فيرحل مسافات ليكون هنا معك…

***

رحلت المقاهى ورحل الرفاق فلم يبقى لك إلا أن تقبض على صور الذاكرة الجميلة حتى لا تفقد الأمل بأن زمنا آخر أجمل قادم كما قال ناظم حكمت وكررها مرارا حتى صدقته أو حاولت…

 

نقلا الشروق القاهريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنا المقاهى فأين الرفاق هنا المقاهى فأين الرفاق



GMT 04:10 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

استغِلوا «تغطية الجنازات» لإنقاذ المهنة

GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«عدّّى النهار والمغربية جايَّه»

GMT 03:57 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«مالمو 14» لا يكذب ولا يتجمل..

GMT 02:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 22:56 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

إيدين دغيكو يصنع التاريخ مع روما

GMT 18:14 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

محمد هاني يتعرض لكدمة قوية في الركبة

GMT 02:04 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اللقطات الأولى لتصادم 4 سيارات أعلى كوبري أكتوبر

GMT 16:20 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

مقتل 3 مواطنين وإصابة 4آخرين في حادث تصادم في المعادي

GMT 07:05 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أجمل ديناصور في العالم بألوان مثل طائر الطنان

GMT 06:33 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار الحديد في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 21:12 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يعترف بتلقي مؤمن زكريا لعرض إماراتي

GMT 00:34 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النصائح الخاصة بإدخال اللون الذهبي إلى الديكور

GMT 12:51 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد ناجي يمنح محمد الشناوي وعدًا بالانضمام للمنتخب

GMT 14:37 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعدام شنقًا لـ7 من أعضاء خلية "داعش" في مطروح

GMT 13:23 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"الخطيب" يدعو أعضاء الأهلي لحضور ندوته الرسمية في الجزيرة

GMT 02:07 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الدولار الأحد في السوق السوداء الأحد

GMT 17:42 2014 الجمعة ,15 آب / أغسطس

حدوث هبوط أرضي في حي الكويت في السويس

GMT 14:50 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب يطلب زيادة تذاكرة في مواجهة غانا

GMT 20:56 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إسبانيا تودع 2017 من دون خسارة وتحلم بنيل كأس العالم

GMT 10:06 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي يدخل السباق الرمضاني بمسلسل كوميدي

GMT 19:16 2015 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على سلحفاة ضخمة نافقة على أحد شواطئ بلطيم

GMT 23:56 2013 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

الأميركية روفينيلي تمتلك أكبر مؤخرة في العالم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon