توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيس لبن

  مصر اليوم -

كيس لبن

بقلم - ناهد السيد

طقس صباحى لا يمكن أن نتجاهله يوما وإلا صار اليوم أسودا بمعنى الكلمة فى عرف بيتنا ، وربما لدى كافة أسر وبيوت الجيزة ونواحيها.

وهو اصطباحة الشاى باللبن للكبير قبل الصغير،فلم تفطم عنه جدتى مثلا أكبر شخص فى بيتنا ،والتى كانت ترسلنى كل صباح لأشترى كيس لبن (صابح ) يكفى لاصطباحة أسرتى ،ومغادرة كل منهم على عمله ومدرسته ورغم أهمية الأمر إلا انها لم تنصحنى أن آخذ بالى من كيس اللبن كما كانت تفعل لشراء اى شىء آخر،لكن هذا المشوار تحديدا كان يجب وحتما ولابد أن أؤديه بدون دراجتى المخصصة للمشاوير والمدرسة ، وهذا لحرصها على جلب كيس اللبن والسلام،ولا يهم السرعة أو البطء ،ورغم ان لدى أخوات صبيان كان من الأجدى ارسالهم بمنطق ( تبقى قاعد والبت اللى تخرج ، افرض حد ضايقها ) هذا المنطق المحفور فى عرف جدتى لم يكن له وجود أمام أهمية جلب كيس اللبن الصابح ، فقد كانت تثق فى انضباطى أكثر والتزامى بالطريق دون (مخطرة) أو لعب قد يودى بكيس اللبن ، الى ان خذلتها يوما حيث تحرش بى أحد الصبية وقذفونى بالكرة، فحاولت صدها وسقط كيس اللبن منفجرا ،خاف الصبية وجروا بعد أن أطلقوا ضحكاتهم خوفا من صراخى أو بكائى الذى يجلب لهم المتاعب من الكبار ،لكنى لم أفعل شيئا من ذلك ،وبقيت فترة لم أحسب قدرها ،تخشبت حركتى وعقلى وتسمرت عينى على شكل اللبن المسكوب الذى صنع مجراه وسط التراب ،ووجد لنفسه طريقا جديدا حيث غير مساره عن بيتنا اليوم ، ووجدت نفسى تلقائيا آخذ كيس اللبن الفارغ (الملغمط)بالتراب والطين وأسير به نحو بيتنا، لم أستطع أن أوصف شعورى وقتها فتقريبا فقدت مشاعرى ايضا ،ولا أدرى لماذا أخذت الكيس فلم أكن أفكر فى شىء، لعل عقلى الباطن لا زال يعمل وفكر بسرعة أن جدتى بمجرد أن ترى كيس اللبن الفارغ ستفهم القصة ويستيقظ ضميرها المحتشم الذى جعلها ترسلنى واخوتى الصبيان فى البيت، ويجوز رأى عقلى الباطن أن جلبى للكيس الفارغ قد ينقذنى من علقة سخنه عندما تستشاط غيظا من خسارة الطقس الصباحى وذلك الفأل الشؤم الذى جلبته لبيتنا اليوم، فعندما ترى الكيس فى يدى ستشم رائحة خوفى منها وتقرأ رسالتى القائلة ( غصب عنى والله ) وتدرك مدى حرصى على اداء مهمتى ورغم كل توقعات عقلى الباطن إلا أن رد فعل جدتى فاجأنى أنا وهو ، فقد (بحلقت) بعينيها قليلا فى كيس اللبن وثبات يدى وجمود عينى وقالت لى بكل بساطة وهدوء ومسحة من الشجن : فداكى .. عندئذ استفاق جسدى ودب الدم فى قلبى واستعدت انفاسى وحاول عقلى جاهدا أن يفسر ماذا حدث ؟حتى توصلنا معا أن الرضا بالمقسوم والمقدر قد ينقذنا من أى شر، ورضانا قد يهدى من حولنا ، وكأن الرضا عطر فواح ينتشر منك لينتعش من يصاحبك وتنتقل اليه عدوى الرضا، فيتصرف تلقائيا كما تصرفت انت ، هكذا وجدت حياتى مع المرض الذى انسكب فى جسدى فجأة ورسم طريقه بين أجهزتى ولم يصلح أن( نلمه) فقد تعكر جسدى به واستوطنه بل تزواج وتكاثر ونشر فطرياته فى انحائى، لكنى رضيت دون أن أدرى، لم أخطط للرضا لأنه لم يمنحنى الفرصه للتفكير أو حتى الاندهاش ، فقط تسمرت وتخشبت وثبتت صورتى على ابتسامة خفيفة أثارت فضول الدكتور وهو يخبرنى ( انتى عندك الذئبة الحمراء الجهازية وللاسف فى مرحلتها المتأخرة كمان ) واستكملت حديثى عادى واسئلتى معه بكل برود وكأنى على علم بمرضى من قبل ، مما جعله يتنهد مندهشا فقد وقع فى حيرة كالتى وقعت بها جدتى للحظة ،ولكنه تقبل الأمر بمجرد أن استشعر رضايا ،فاذا كانت صاحبة المرض نفسها راضية وليست (مخضوضة ) فلماذا أكون سببا فى الضغط عليها أكثر ، لم يحصل على فرصته فى مواساتى كما أراد وكما يفعل مع كل مريض بسبب رضايا ..رضايا الذى لم أعرف من أين جاءنى؟ وماهذه السكينة التى حطت علىّ؟ لماذا لم أبكى؟، لماذا لم أعيش الدور واستجدى شفقة من حولى وأخبرهم بخطورة مرضى وكم تبقى لدى فى الحياه مثلا ؟، لم أحصل انا الاخرى على هذه الفرصة واكتفيت بحمد ربى الذى أعطانى المرض ثم منحنى الرضا الذى يكفيه .


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيس لبن كيس لبن



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي

GMT 09:23 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

ضغوط متزايدة على لامبارد بعد أحدث هزيمة لتشيلسي

GMT 04:38 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

نفوق عشرات الآلاف من الدواجن قرب بلدة "سامراء" شمال بغداد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon