توقيت القاهرة المحلي 01:18:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا وخطر التفكك

  مصر اليوم -

ليبيا وخطر التفكك

بقلم - جبريل العبيدي

كان لحجم ليبيا الكبير، وأرضها الشاسعة المترامية الأطراف أن تقسم البلاد إلى أقاليم ثلاثة عقب الحرب العالمية ضمن اتحاد فيدرالي تُرجِم في دستور عام 1951 الذي عُرف بدستور الاتحاد أو دستور الآباء المؤسسين، واستمرَّ هذا إلى حين قرّر الملك إدريس فكَّ حالة الاتحاد وإنهاء النظام الفيدرالي بمرسوم ملكي وليس عبر استفتاء عامّ أو انعقاد الهيئة التأسيسية للدستور، مما شكَّل آنذاك حالة من الرفض لصيغة الدستور المعدَّل في عام 1963.


ليبيا اليوم تواجه خطر التفكك - رغم أن هذا أمر بعيد المنال على مريديه - نتيجة عوامل منها ما هو داخلي، وما هو خارجي، رغم غياب عوامل التفكيك المعروفة، كتعدد الطوائف الدينية؛ فليبيا دولة مسلمة سُنِّية مائة في المائة، ولا وجود لديانات أخرى بها، إلا من الأجانب، وليس من السكان المحليين، بالإضافة إلى غياب عامل الاختلاف العرقي، فالأغلبية المطلقة من الليبيين عرب وأصولهم واحدة، وكذلك غياب عامل التقسيم الجغرافي، فليبيا دولة مترابطة الأجزاء، وتكاد تكون قطعة منبسطة واحدة... فليبيا قبل مائة عام كانت أقاليم متفرقة مثلها مثل أغلب البلدان العربية، فكانت عبارة عن ثلاثة أقاليم، هي برقة وفزان وطرابلس، وكانت برقة أول الأقاليم التي تمكنت من تأسيس إمارة استطاعت توحيد طرابلس وفزان تحت اسم «ليبيا».
تاريخياً إمارة برقة عُرِفت بالدولة العربية الثامنة، كما ذكرها المؤرخ اللبناني نيقولا زيادة الذي عمل مديراً للمعارف في ولاية برقة زمن الانتداب البريطاني، حيث أصدر كتاباً بعنوان «برقة الدولة العربية الثامنة» شرح فيه تاريخ الإقليم وكيف كان، وكيف أصبح، وعلاقته بإقليم طرابلس.


كان قوس الأخوين فيليني (L’Arco dei Fileni) قوساً من الرخام، وبوابة عبور بين إقليم برقة وإقليم طرابلس، تم بناؤه في العهد الفاشي الإيطالي على بقايا منطقة «هيكل الأخوين فيليني»، الذي يُعتَبَر بمثابة الحد الفاصل بين ولاية برقة في حينها وإقليم طرابلس، فأثناء حرب الإغريق الذين كانوا يسيطرون على شرق ليبيا، والقرطاجنّيين الذين كانوا يسيطرون على غرب ليبيا، اتفقوا على ترسيم الحدود بينهم في نقطة تلاقي عداءَيْن رياضيين، لتكون منطقة التلاقي هي الحدود الفاصلة بين الحضارتين السابقتين.


إقليم طرابلس رغم أن الحراك السياسي أنتج فيه ما عُرِف بالجمهورية الطرابلسية، فإنها لم تستطِع توحيد ليبيا، لأنها لم تصمد، وانتهت بصراع بين القبائل على السلطة، مما تسبب بمقتل زعيم قبلي كبير انتهت بعده الجمهورية الطرابلسية، التي أعلنت في (سواني بن آدم) وليس في طرابلس التي تعورف عليها عاصمة بالشراكة مع بنغازي في نص المادة 188 بدستور الاتحاد الليبي.
تُعتَبَر برقة عصب الوحدة الليبية، وظهور كيان ليبيا بالجغرافيا الحالية، التي سبق أن رفضتها أطراف كثيرة، ومنها من قال باستحالة التعايش السلمي إلا من خلال النظام الفيدرالي الاتحادي، وأن اختزال برقة وطرابلس وفزان تحت اسم «ليبيا»، فكرة طارئة ولم تكن حاضرة في التاريخ القديم، ولكن هذا لا يمنع تشكُّل كيان جامع لبرقة وطرابلس وفزان، خصوصاً أنها ليست متعددة الأعراق والديانات والطوائف. ولكن اليوم هناك أطراف تسعى إلى تقسيم ليبيا ودفعها إلى التفكك، ولهذا سعت هذه الجماعات، ومنها جماعات الإسلام السياسي، إلى الفتنة، وتهميش سكان برقة وحرمانهم من حقوقهم، بل وحتى من الخدمات المجتمعية، مما شكَّل حالة من الغضب والاستنكار الشديد لدى السكان ودفع بعضهم إلى الدعوة إلى الانفصال عن الاتحاد مع طرابلس وفزان بسبب هذا التعنت عند الحكومة المركزية، التي مارست شتى أنواع التهميش والإهمال ضد سكان الإقليم في جميع الحصص سواء في المناصب والوظائف، أو توزيع الثروات وحتى التعليم والصحة والبنية التحتية، رغم أن 80 في المائة من نفط البلاد ينبع من إقليم برقة.


الوحدة الوطنية شعار كبير، ولكنه قد لا يصمد كثيراً أمام استمرار العبث بحقوق بعض مكونات وحدة ليبيا، فحين تتعامل الحكومة أو السلطة الحاكمة بمفهوم يختزل ليبيا في مدينة طرابلس وما جاورها، حينها يصبح من الصعب إقناع المهمشين والمبعدين والمحرومين بعدم فكّ الارتباط بطرابلس المركزية، وإلى أن تتخلص ليبيا من النظام المركزي، وعقدة «طرابلس هي ليبيا» بدلاً من «طرابلس جزء من ليبيا»، يبقى ناقوس خطر التفكك يُسمَع صداه.


وعلى الرغم من هذا نقول إن ليبيا ستبقى واحدة برجالها وأرضها وثرواتها، وأي دعوة للتفكك وتحويل البلد إلى أقاليم هي دعوات باطلة، وضد إرادة الليبيين جميعاً ومن يدعو لها هو كمن يحرث في البحر.

عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وخطر التفكك ليبيا وخطر التفكك



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر

GMT 06:58 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

علاج محتمل للسكري لا يعتمد على "الإنسولين" تعرف عليه

GMT 14:10 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أسوان يخطط لعقد 9 صفقات قبل غلق باب القيد لتدعيم صفوفه

GMT 21:53 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

جهاز المنتخب الوطني يحضر مباراة الأهلي والإنتاج الحربي

GMT 17:44 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تونس تتصدر أجانب الدوري المصري بـ16 لاعبًا في الأندية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon