توقيت القاهرة المحلي 22:54:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القبح حرام شرعاً؟

  مصر اليوم -

القبح حرام شرعاً

بقلم : أمينة خيرى

 «الإخوان والعلمانيون وجهان لعملة واحدة»، «اللايكات الوهمية وغير الحقيقية حرام شرعاً»، «الروبوت حرام لو كان على شكل إنسان»، «حكم الشرع فى إزالة الشعر الزائد بين الحاجبين»، «حكم لايك المرأة لبوست الرجل على فيسبوك».. والقائمة المثيرة الغريبة طويلة.

نعم! حذّر رجل دين ذائع الصيت من أن كلام كل من الإخوانى والعلمانى يختفى من على شاشة التليفزيون ما إن يختفى صاحبه، أما القضايا الأخرى المهمة والحيوية التى يطرحها كباء الأئمة والمشايخ فتظل باقية دائمة طيلة الحياة. ونعم، يصول المصريون والعرب ويجولون هذه الآونة فى فتوى تشير إلى أن الـ«لايك» على «فيسبوك» فى حال كانت وهمية ولا تعبّر عن زيارات المستخدمين ورؤيتهم الحقيقية للتدوينة أو الإعلان، فهى صورة من صور التعامل المحرم شرعاً.

هذه وغيرها الآلاف مما يشغل بال ملايين المواطنين وفكر وجهد الأئمة وعلماء الدين من أجل تفنيدها والرد عليها فى كفة، وما لا يشغل بال الغالبية فى كفة أخرى، فما حكم من يذهب إلى عمله «كده وكده» ويجلس على مكتبه «كده وكده»، ويتظاهر بأنه ينجز عمله «كده وكده»، ثم يتقاضى راتبه آخر الشهر فعلياً وليس «كده وكده»، فهل هذا يجوز شرعاً؟

وما رأى العلماء فى من ينزل من بيته دون أن يتكبّد عناء الاستحمام وتنبعث منه روائح كريهة يتوجه بها إلى المسجد والعمل ووسائل المواصلات العامة؟ وما موقفهم تجاه من ينعت من يؤمنون بفكر سياسى يرى ضرورة عدم إقحام الدين فى الدولة أو الدولة فى الدين بأنهم كفار وزنادقة؟ وما رأيهم فى من يستولى على الأرصفة باعتبارها امتداداً لمحله يعرض عليها بضاعته ويمنع المارة من المشى عليها والنزول اضطراراً فى عرض الطريق معرضين حياتهم لخطر الدهس؟

وهل سمع من يفتوننا عن محدودية قدرات النساء على إصدار الأحكام فى المحاكم، أو قيادة الرجال فى العمل، أو اتخاذ قرارات فى مواقع مهمة، عن رئيسات للوزارات فى أكبر وأقوى وأهم دول العالم؟ هل تخيل أحدهم مثلاً شكل السيدة أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، وهى تسأل زوجها إن كان يسمح لها أن تزور أمها قبل أن تذهب إلى مكتبها حيث تقود إحدى أكبر وأقوى دول العالم للمرحلة الرابعة؟ وهل يتصور أحد ما يمكن أن يدور فى رأس السيدة تيريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا، مثلاً، أو كريستين لا جارد، مديرة صندوق النقد الدولى، حول فتاوانا البشرية التى تصول وتجول حول كون الرجل أفضل من المرأة وأنه قوّام عليها لأنه يتحمل مشاق وأعمالاً لا تقوى هى عليها، وأن عقل الرجل أكمل من عقل المرأة وذلك حتى يصونها ويحفظها ممن يدنس عرضها لأنها موضع طمع الرجال للاستمتاع بها وقضاء وطرهم الجنسى منها، لذا تكون فى أشد الحاجة إلى من يحميها منهم؟!

ألم يحن وقت أن «نقبّ» على «وش» العقل والمنطق ونقيّم ما جرى لأدمغتنا من تشويه منذ أقنعنا البعض بأن التفكير حرام والمنطق بغيض والعلم مكروه والجمال رجس؟ أوليس الوقت مناسباً لخوض رجال الدين فى مسائل تتعلق بواقعنا القبيح المعيش بسبب تقاعسنا عن العمل والضمير والنظافة والعقلانية واحترام حقوق الغير وخصوصيتهم وآدميتهم؟

هل لرجال الدين الأجلاء أن يخوضوا حروباً شرسة لنصرة تعليق عشرة ميكرفونات أعلى الزوايا المقامة على الأرصفة وليس لنصرة حق المرأة الواقعة تحت براثن مجتمع متحرش بالنساء قولاً وفعلاً وشعوراً، أو لطلب التبرعات من أجل المسكين فلان الذى أنجب من العيال عشرة أو 11 أو 12 لإطعامهم وعلاجهم دون أن يسأل عن جرم ارتكبه «المسكين» فى حق عياله الذين أنجبهم دون تفكير وحق المجتمع الذى يحمّله مسئولية تكاثره الأرنبى؟

وهل يكتفى البعض من رجال الدين بوصم الزوجة التى تمتنع عن العلاقة الحميمة مع زوجها بـ«الآثمة» ويصفون أسبابها المتعلقة بقلة نظافته الشخصية وعنفه وتعامله معها وكأنها بهيمة بـ«الأسباب الواهية»؟

ألم يلاحظ أحد هيمنة مظاهر التشدد الشكلى فى شوارعنا جنباً إلى جنب مع الانحطاط السلوكى؟ وأنه مع تزايد مظاهر التدين الشديد تتزايد جرائم التحرش وأحداث وحوادث العنف بين المواطنين، لكن هذا لا يزعج الغالبية؟

تخلصنا من حكم الإخوان، لكن آثار فكرهم ومغبة الضحك على العقول بذقونهم متغلغلة فى قلوب وعقول الكثيرين. ألا تثير هذه الفجوة العميقة البعيدة الكبيرة بين هذا المظهر الملتزم وهذا السلوك المنفلت دهشة أحد؟ ألا تستحق البلاد نظرة متأنية إلى دور مؤسسات ومراكز وشخصيات التثقيف والتنوير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ألا يستحق العباد بعضاً من اهتمام بمكوّنهم الفكرى والثقافى، ومخزونهم الحياتى المعرفى؟

وهل يمكن محاكمة أولئك الذين أقنعوا الملايين بأنه كلما عاش الإنسان حياته فى قبح وأسى وكآبة وسواد وعذاب ومعاناة كان إلى الله أقرب وإلى الجنة أسرع؟ وإن لم تكن المحاكمة ممكنة، فهل يمكن إلقاء طوق نجاة الإنقاذ التنويرى للصغار قبل أن ينضموا لمواكب القبح والفصام بين المظهر والجوهر؟ أليس الضحك على العقول وتقديم القبح لها باعتباره طريقهم إلى الجنة حراماً شرعاً؟

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القبح حرام شرعاً القبح حرام شرعاً



GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 22:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

روشتة لمواجهة الحر!

GMT 22:45 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

فقال لا أعرف

GMT 22:42 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

حيرة لجنة التحكيم في (مالمو)

GMT 22:38 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أي ثقافة تتحكم؟

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon