توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرعب الحقيقي

  مصر اليوم -

الرعب الحقيقي

بقلم : مارلين سلوم

  وضع الخوذة على رأسه، لبس السترة الواقية من الرصاص، حمل حقيبته على ظهره، وخرج في الصباح مودعاً أمه وأبيه وكأنه جندي ذاهب إلى المعركة، في حين أنه مجرد طالب يهم في الخروج من بيته للذهاب إلى مدرسته. هذه الصورة قد تبدو خيالية ومبالغ فيها لزوم الدراما، لكنها للأسف واقعية، ترسم صورة عن «أمريكا بلد الأحلام» كما كانوا يسمونها، وحال بعض مدارسها وأولياء الأمور وأبنائهم، بعدما تحولت عمليات إطلاق النار على الطلبة والأساتذة الأبرياء، إلى مسلسل رعب أمريكي حقيقي، وبعدما صارت حقائب مدارس الأطفال مجهزة فعلياً بدروع واقية من الرصاص!

لا، ليس في الأمر مبالغة، فالمدارس الأمريكية تبحث عن وسائل لحماية طلبتها من جرائم القتل المنتشرة، والتي يرتكبها طلبة يعانون من أزمات نفسية أو اضطهاد داخل مدارسهم أو مشاكل عائلية. ومن ضمن الحلول، حقائب وخوذات وسترات واقية من الرصاص. وكأن التلميذ يذهب كل يوم إلى أرض المعركة، وفي ذهنه أنه معرض للقتل في مدرسته! فأي أمن هذا؟ وأي تعليم واستقرار؟ وأي أجيال تنمو وتكبر على فكرة القتل المباح والخوف الدائم؟ وهل مستقبل المدارس هناك تحويلها إلى معسكرات والكل مجند والكل مسلح، والأرض معرضة في أي لحظة لتصبح بركة دماء؟

هل مازال شبابنا العربي يرى في أمريكا أرض الأحلام؟ هل مازالوا يسعون للهروب من أوطانهم للتعلم في المدارس والجامعات هناك، باعتبارها أفضل من مدارس وجامعات بلدانهم؟ يقول المنطق أنه لا يجوز تعميم «الحوادث الفردية» التي تقع في بعض المدارس، على الحالة الأمنية العامة في أمريكا. حسناً، لكن هل تعتبر حادثة قتل 17 طالباً ببندقية أحد زملائهم والتي وقعت مؤخراً في مدرسة في فلوريدا، فردية؟ وهل مقتل 60 شخصاً في لاس فيجاس في أكتوبر الماضي، وقبله بعام مقتل 50 شخصاً في أحد الملاهي في فلوريدا، ومجزرة «كونيتيكت» عام 2012 في مدرسة ابتدائية ذهب ضحيتها 27 شخصاً منهم 20 طفلاً، ومذبحة جامعة فرجينيا عام 2007 والتي قضت على 32 شخصاً معظمهم من الطلبة.. ونعود إلى الوراء قليلاً، حيث مجزرة «ثانوية كولومباين» الشهيرة عام 1999 والتي أودت بحياة 12 طالبا وأستاذا واحدا وقام بها طالبان انتحرا بعد العملية.. ناهيك عن أعداد المصابين والطلبة الذين تلقوا علاجا نفسيا إثر إصابتهم بصدمة بعد كل عملية «إرهابية» في مدرسة أو جامعة.. والتاريخ يسرد حوادث مماثلة عبر سنوات بعيدة ومتفرقة تصل إلى عام 1966 حيث مجزرة في جامعة تكساس وغيرها.

لماذا كل هذا العنف المتنقل بين المدارس، في بلد المفروض أنه ديمقراطي، يعيش بسلام، و«يحارب العنف» ويشن حروباً ضد الإرهاب أينما وجد حول العالم؟ ولماذا لا تطلق أمريكا على مثل هذه العمليات الإجرامية «إرهاباً»، طالما أنها تقضي على أمن واستقرار أبنائها وتهدد حياة الأطفال والشباب الأبرياء، وطالما أن مدارسها أصبحت معرضة للخطر في أي وقت؟

لا ندعي أننا نعيش في عالم وردي، إنما ندعي أننا نرى ما نحن فيه وعليه بعين الواقع، ولا نمشي خلف وهم المثالية. مشكلة أمريكا الحقيقية، أنها تدعي نبذ العنصرية، بينما تزرع في عقول ونفوس أبنائها وهماً كبيراً، كي تحمي سياستها الخارجية، حيث يعتقد كل أمريكي أنه مستهدف من قبل «الآخرين»، وأن هناك دائماً من يهدد أمنه واستقراره، لذا من حقه أن يقتني سلاحاً في بيته ليحمي نفسه وأسرته.

دولة تحمي حروبها ضد إرهاب تخلقه بنفسها وتقضي سنوات في عقد صفقات للقضاء عليه، عبر تلك الأساطير التي تزرعها في عقول مواطنيها، تماماً كما تفعل في أفلامها، حيث توهم الناس بأنها البطل الذي سينقذ العالم كله من المجرمين والإرهابيين، وهي من يحمي السلام على الأرض. لكن من يعيد للأطفال الأمريكيين إحساسهم بالأمان الحقيقي؟

لا، لم تعد هي الحلم، فالعالم أصبح له توجهات أخرى، ودول كثيرة أثبتت تفوقها في التعليم على أمريكا، فهل مازلتم تحلمون؟

نقلا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرعب الحقيقي الرعب الحقيقي



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon