بقلم : سمير الزبن
دارت أحاديث كثيرة عن «صفقة القرن» التي ستقارب بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضية الفلسطينية مقاربة جديدة، بزخم جديد، لحلها بعد استعصاء طويل. وجاء أول اقتراب لإدارة ترامب من القضية الفلسطينية، بالاعتراف بمدينة القدس عاصمةً لإسرائيل، والقيام بإجراءات نقل السفارة الأميركية إلى هناك.
وهذا ما سبب صدمة للقيادة الفلسطينية ووضعها في موقف حرج، وجعل هذه القيادة تقول إن الولايات المتحدة استثنت نفسها من عملية السلام بهذا القرار، ولم تعد راعياً لها، مما يوجب البحث عن مرجعية دولية جديدة تستطيع أن توفر الشروط التي تسمح بإقامة الدولة الفلسطينية، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، بصفتها جزءاً أساسياً من الحقوق الوطنية الفلسطينية. وكرست القيادة الفلسطينية ذلك عبر قرارات وتوصيات المجلس المركزي الذي عقد أخيراً.
إذا كان رد الفعل الفلسطيني الغاضب رداً على القرار الأميركي مفهوماً، فإن السؤال الأهم: هل للقرار الفلسطيني بإخراج الولايات المتحدة من العملية التفاوضية أي فرصة للتنفيذ على أرض الواقع؟
أعتقد أن المبالغة في السياسة تأتي بنتائج ضارة تكون مثل هذا القرار الفلسطيني، فعندما تحدد أهدافك في السياسة، عليك أن تجعلها قابلة للتحقق. هنا يحاول الطرف الفلسطيني إظهار أنه قادر على شيء هو خارج قدرته، بل على العكس، هو محكوم به. ليس الطرف الفلسطيني القادر على قبول أو رفض من يكون راعي العملية السلمية، وإنما موازين القوى في العالم. لو كان الأمر كذلك، لما كان على الفلسطينيين ابتداء، وفي ظروف أفضل، قبول الرعاية الأميركية للمفاوضات، علماً أنها الطرف المنحاز لإسرائيل. أقل ما يقال إن هذا القرار لا معنى له، إذا لم نقل إنه يبعث على السخرية. فمن يرفض الرعاية الأميركية، هو الطرف الذي تموله الولايات المتحدة والذي ولد نتاج عملية كانت هي ذاتها من رعاها! لذلك ترتبط السلطة وجوداً وعدماً بالولايات المتحدة، والقول إن الولايات المتحدة لم تعد راعياً، يظهر وكأن طرفاً آخر في هذا العالم يمكن أن يحل محل الولايات المتحدة في رعاية عملية المفاوضات، أو يرغب بهذا الحلول.
بعد اتفاقات أوسلو وبناء السلطة الفلسطينية، اعتمد الموقف الفلسطيني أساساً على الموقف الأميركي، ولم يأت نتيجة إستراتيجية سياسية فلسطينية تتعامل مع المفاوضات المقبلة من خلال المصالح الفلسطينية العليا. بذلك تبدو الخيبة الفلسطينية كبيرة جداً من موقف إدارة ترامب. لقد اعتقدت السلطة الفلسطينية أن الموقف الأميركي موقف حازم ونهائي، على المستوى اللفظي على الأقل، بعدم القبول بأي تغييرات في الضفة الغربية يقوم بها أحد الطرفين، وطبعاً فإن إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يقوم بفرض وقائع على الأرض، وهي التي تملك القدرة والقوة لفعل ذلك.
وصول ترامب إلى البيت الأبيض أظهر زخماً أميركياً لدعم إسرائيل ومعاقبة الفلسطينيين، بالتهديد بوقف تمويل السلطة، كما اتخذت الإدارة الأميركية قراراً بخفض مساهمتها بتمويل أونروا إلى النصف.
اليوم، يظهر بوضوح أن السياسة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قد أعدمت العملية التفاوضية الميتة سريرياً أصلاً. ولأنه ليس هناك من راعٍ آخر للعملية التفاوضية، فإن الأوضاع الفلسطينية مرشحة لمزيد من التردي. فمن البديهي، وللأسف الشديد، أن ما لا تريده الإدارة الأميركية في الموضوع الفلسطيني- الإسرائيلي، لن يستطيع أحد فرضه على إسرائيل، وما لا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعله لن يستطيع أحد غيرها القيام به.
نقلاً عن الحياة اللندنية