توقيت القاهرة المحلي 22:23:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تلك اللحظة

  مصر اليوم -

تلك اللحظة

بقلم - خولة مطر

قال لى وأنا أحزم حقائبى مغادرة بيروت إلى القاهرة: سنحزن لبعدك ولكنك ستحضرين الثورة فهنيئا لك.. ولأنه أستاذى كما هو أستاذ للعديد من الصحفيين والصحفيات العرب فقد خجلت أن أسأله عن أى ثورة يتحدث وبهيئة مجهدة من عناء سنين من النهب والتعب والفقر والظلم..

***

دخلت مدينتى القاهرة كما كل مرة بكثير من الفرح على الرغم من قساوة المشهد وعشت كعادتى فيها وبها منذ سنى الطفولة كثير من دفئها النادر.. تبقى القاهرة وكل مصر فينا نحن ذاك الجيل الذى ربما يكون قد شهد بعض لحظات من الكرامة أو الفرح الحقيقى..
***
لم يمض سوى أقل من عام وكان ذاك المشهد المؤثر عند كوبرى قصر النيل، وكنت فى تونس مع فريق من الأمم المتحدة للوقوف على الثورة هناك والانتهاكات التى تمت بحق أبنائها وبناتها.. كانت تونس تعيش نشوة الانتصار الأولى والجميع فى حالة من الاحتفال بنصر لم يتوقع أن يتم وبهذه السرعة.. جاءت المكالمة فى الثامن والعشرين وطلب منى العودة على وجه السرعة إلى القاهرة للوقوف على ما يجرى هناك ومتابعة تفاصيل الميادين! كانت الرحلة شيئا من المغامرات التى اعتدتها وقت تغطيتى لبعض الحروب هنا وهناك ولكن بنكهة أخرى..

***

فقد تم إعلان حظر التجول بعد الساعة الرابعة وكانت طائرتى تصل عند الرابعة تماما.. حطت الطائرة فى مطار تسوده حالة من الفوضى فأفواج سياحية حائرة إلى أين ستنقل وركاب لا يعرفون كيف يصلون إلى بيوتهم.. كانت النصيحة من موظفى المطار ثم الزملاء فى الأمم المتحدة أن أذهب لأحد الفنادق القريبة من المطار حتى صباح اليوم الثانى..

***

شىء من تلك الصحفية الشقية حضر لحظتها فحملت حقيبتى.. درت فى مواقف السيارات حتى عثرت على سيارة بها شابان كان يبدو عليهم «السطلنة» الكاملة وعلى الرغم من ذلك فقد حزمت أمرى أن أكون فى بيتى فى ذلك المساء وهكذا كان تفاوضت مع الشابين وانتقلنا فى مغامرة بين أزقة وحوارى شىء شبيه بأفلام هوليوود.. مرت لحظات كانت تبدو طويلة فى شوارع خالية من أى مصدر للحياة لا عربات متراصة ولا أصوات «الزمامير» ولا الباعة عند الأرصفة ولا.. ولا حتى الحيوانات فرت.. مررنا بالكثير من المناطق بأحياء لم يلتزم سكانها بحظر التجول ربما سمعوا به ولكنهم قرروا المضى فى حياتهم كما هى، وهذا ما أضاف بعض الاطمئنان خاصة أنه قد تأكد لى ونحن نمضى فى طريق لا نعرفه بأن السائق وصديقة قد تعاطيا شيئا من المخدرات قبل أن يفكروا فى توصيلتى هذه التى قد تساهم فى أن يكملوا «جلسة السطلنة»!!!
الحوارى الضيقة كانت مكتظة كالعادة بجلاس القهاوى على الأرصفة والشيش وأكواب الشاى المسكر وبائعى الفول والطعمية... كل المشاهد هنا لا توحى بأن البلد يمر بأكثر مراحل تاريخه الحديث خطورة..

***

عند وصولى للعجوزة اتضحت الصورة أكثر ومبنى الحزب الوطنى يحترق أمام أعين المارة... مع مرور الأيام بعدها وحتى تنحى الرئيس حسنى مبارك كان ميدان التحرير مصدر السعادة اللامتناهية لثورة بدت وكأنها شىء من «اليوتوبيا»... المشاهد فى الميدان لا تزال راسخة فى الذاكرة كما دونها وسيدونها كثيرون كانوا هناك وآخرون راقبوها من بعيد مع شديد التعاطف بالتأكيد... كسر الميدان كل الحواجز وكل القناعات المترسخة عبر السنين ليس فقط لدى المصريين وإنما لدى كل العرب بل ربما العالم بأجمعه... تلك الصورة ستبقى ولن ترحل أبدا

***

وكنا أنا وبعض الصديقات والأصدقاء نلتقى عند نفس الكوبرى أى قصر النيل وندخل الميدان آمنين، سعداء بل منتشين بتلك اللحظة !!! نبقى لساعات طويلة نتجول بين حلقات النقاش ونهتف بين... وبين... ونساهم فى فهم المطلوب لتقديم الدعم والمساعدة لمن جعلوا من الميدان منزلهم وكعبتهم..

***

وفى ذاك المساء ونحن نهم بالخروج من الميدان ربما متعبين بعض الشىء ونحن نردد متى سيرحل وإذا بعربة صغيرة تتقدم من مدخل الميدان عند مبنى الجامعة العربية قبل الحاجز الأول لحراس الميدان الذين التزموا بأن تكون الثورة سلمية فوقفوا ليمنعوا أيا من المتسللين لتشويه ذاك المشهد الرائع.. كانت تلك السيدة المنتقبة والممتلئة ونصف جسدها خارج من شباك السيارة التى بدت وكأنها محشورة بها لصغر العربة أو ربما لكبر حجم السيدة.. راحت تصرخ بأعلى صوتها «رحل» رحل.. رحل.. وبفرح وقفنا لم نعرف ماذا نفعل جلست أنا وصديقتى حضنا بعض طويلا وبكينا بكاء دافئا.. فجأة وكأن الشوارع لم تعد تتسع لسكانها الجدد رفعت الأعلام وعلا صوت الزغاريد..
أمسكت بهاتفى واتصلت به هو أستاذى جاءنى صوته الدافئ قلت معك حق لقد شهدت الثورة.. هى تلك اللحظة.

 

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلك اللحظة تلك اللحظة



GMT 05:20 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 05:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

تذبذب أسعار النفط مع استمرار حروب الشرق الأوسط

GMT 05:14 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

مصر في وسط العاصفة الإقليمية!

GMT 05:12 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

«داعش» في موزمبيق: ضمير غائب في أفريقيا؟!

GMT 05:08 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

دراما عظيمة... لكن من يتجرّأ؟

نوال الزغبي تستعرض أناقتها بإطلالات ساحرة

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 11:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع
  مصر اليوم - ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع

GMT 12:13 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أعشاب تساعد على خفض الكوليسترول خلال فصل الصيف
  مصر اليوم - أعشاب تساعد على خفض الكوليسترول خلال فصل الصيف

GMT 18:39 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

يسرا تكشف موقفها من دراما رمضان المقبل
  مصر اليوم - يسرا تكشف موقفها من دراما رمضان المقبل

GMT 12:25 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

انقطاع شبه كامل لخدمات الإنترنت عن شمال غزة
  مصر اليوم - انقطاع شبه كامل لخدمات الإنترنت عن شمال غزة

GMT 08:53 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزل الحب يساعدك على التفاهم مع من تحب

GMT 03:08 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الجمباز المصري يعلن رفع الإيقاف عن ملك سليم لاعبة المنتخب

GMT 11:19 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على آداب تناول الطعام

GMT 22:15 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

حادث سعيد سبب ابتعاد كندة علوش عن الساحة الفنية

GMT 11:37 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعيين الأمير بدر بن عبدالله رئيسًا لمجموعة قنوات "mbc"

GMT 16:36 2021 الأربعاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"CHANEL" تطلق مجموعة الملابس الجاهزة لربيع وصيف 2022

GMT 04:24 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

المؤشر نيكي يرتفع 0.53% في بداية التعامل طوكيو

GMT 02:34 2021 السبت ,20 آذار/ مارس

علاج خراج الأسنان بالمضاد الحيوي

GMT 06:37 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

اكتشاف "حفرية حية" لسمكة من عصر الديناصورات

GMT 20:48 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

الجبلاية تعتمد لجنتي المصالح وكرة القدم في اللائحة الجديدة

GMT 21:29 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

باريس سان جيرمان يحتفي بمئوية نيمار قبل تدريبات الثلاثاء

GMT 04:39 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

كلوب يؤكد أن هدفا صلاح خطوة على الطريق الصحيح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon