توقيت القاهرة المحلي 11:02:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وزارة الثقافة ظالمة أم مظلومة؟

  مصر اليوم -

وزارة الثقافة ظالمة أم مظلومة

بقلم - د. ليلى تكلا

 العنوان مستوحى من مقال للدكتور جابر عصفور بعنوان: «وزارة مظلومة اسمها الثقافة» وهو مثل كل ما يكتب، ويضيف إلى الفكر السياسى والثقافى. حديثى لا يتعارض معه بل يؤيده ويستكمله. الوزارة فعلا مظلومة لأسباب معينة لكنها ايضا ظالمة لنفس هذه الأسباب. مصدر هذا وذاك هو المفهوم القاصر للثقافة، محيطها ورسالتها ووسائلها وهو ما كتبنا عنه مرارا وتكرار وطرحناه فى المجلس الأعلى للثقافة. ذلك الخطأ هو عدم إدراك المعنى الصحيح للثقافة والتعامل معها على أنها تقتصر على المعنى الخاص الذى يتعلق بإبداعات الفنون والآداب مثل الرسم والنحت والسينما والمسرح والكتابة والشعر والرقص والغناء وغيرها من آليات التعبير عن الثقافة. هذا جزء مهم يأتى تعبيرا عن الثقافة السائدة ويمكن أن يؤثر فيها لكن الثقافة أكثر من ذلك بكثير، هى ذلك المناخ المعين الذى يسود مجتمعا ما فيحدد القيم والمعتقدات والمبادىء الأخلاقية والفكرية والوعى الحضارى وبالتالى يحدد السلوك والقرارات والاختيارات.

كل ما نفعله يرتبط بثقافة معينة، احترام الوقت ثقافة، قبول التعدد والاختلاف ثقافة، مكانة المرأة تحددها ثقافة معينة، لذلك يختلف السلوك وبالتالى مستوى المجتمع من مجتمع لآخر حسب الثقافة السائدة.

نحن فى مصر تغلغلت فينا قيم ثقافية غير سوية لا تسهم فى تنمية المجتمع تؤدى إلى سلوك يحتاج لتغيير.. ولما كانت الثقافة على هذا القدر من التأثير فإن تصحيح السلوك يقتضى تصحيح الثقافة السائدة بالنسبة لهذا الأمر أو ذاك.أدركنا ذلك لكن على مستوى الكلام فقط. أصبحنا نكرر عبارات مثل «نحتاج لثقافة الديمقراطية», «تلزمنا ثقافة حقوق الإنسان», «تنقصنا ثقافة الدقة والانضباط», «نفتقد ثقافة البحث العلمى».. نقول ذلك لأننا ندرك تماما أن وجود هذه الثقافة سوف يقودنا إلى تحقيق ما نطالب به. لكننا نطالب وينتهى الأمر عند حد المطالبة، لا نفعل ما هو مطلوب لنشر وغرس هذه الثقافة أو تلك.

أصبح الأمر يقتضى أمرين أحدهما تحديد القيم الثقافية المطلوب نشرها حتى تصبح قيمة سائدة وسلوكا واداء، الثانى تحديد العوامل والآليات والمؤسسات التى تسهم فى ضخ الثقافة وغرس القيم المطلوبة.

مصادر الفكر الثقافى متعددة تشمل كل ما نراه ونسمعه ونقرأه ونفعله أكثرها تأثير التعليم الإعلام الخطاب الدينى المرأة والأسرة. أما المؤسسات فهى تكاد تكون كلها، لكل منها دوره منها وزارات التعليم والشباب والرياضة والأوقاف والاستثمار والجمعيات الأهلية الأحزاب والنقابات وطبعا فى مقدمتها وزارة الثقافة التى عليها التعاون والتنسيق معها جميعا. يتطلب الأمر إذن تشكيل مجلس للفكر والمعرفة ونشر القيم المطلوبة يجمع بين هذه المؤسسات التنسيق والتكامل والاستفادة من خبرات بعضها البعض، وأن يكون فى مجلس الوزراء مجموعة تهتم بقضية تصحيح الثقافات السائدة ومتابعة أعمال ذلك المجلس. بدون ذلك سوف تظل كل مؤسسة تعمل منفردة وغالبا ما تعرقل ما تحاول تصحيحه مؤسسة أخرى، يفرض الإعلام عكس ما يسعى إليه التعليم أو يدحض الخطاب الدينى كل ما تحاول وزارة الثقافة تحقيقه، ولهذا فإنها مظلومة لأنها تلام على نتيجة ما يفعله الآخرون.

يبقى السؤال لماذا هى ظالمة؟ الجواب واضح لأن الوزارة نفسها لا تتعامل مع مسألة الثقافة فى مفهومها الشامل ويقتصر عملها على الاهتمام بالمعنى الخاص للثقافة، وبالتعبيرات الثقافية هذا أمر مطلوب قطعا، لكن عليها ايضاً الالتزام بالمفهوم العام للثقافة واستثمارها لتصحيح السلوك والأداء وزرع ما نحتاجه من معرفة، وفكر والدعوة لتأسيس ذلك المجلس المطلوب. تعامل بعض الوزراء مع الجانب الفنى للثقافة بنجاح فى مقدمتهم فاروق حسنى ود. زاهى حواس قدما الكثير فى مجال العناية وتطوير جوانب التعبيرات الثقافية ومؤسساتها كانت كلها رسائل تزرع قيمة معينة مثلا الاهتمام بترميم المعابد اليهودية, رسالة تدعو لاحترام الإختلاف وقبول التعدد، وحماية الآثار وصيانتها واسترجاعها من الخارج وإصدار كتب عنها وعن تاريخ مصر يغرس قيمة الانتماء للوطن وعدم الإساءة إليه.

لكنها تظل ظالمة لأنها لا تلتزم بالتعامل مع الثقافة بالمفهوم العام وعدم دعم ما لديها من وسائل وآليات لتصحيح الثقافة. مثلا قصور الثقافة التى كان يمكن أن تصبح وسيلة لإشعاع القيم الصحيحة مجملة تغط فى سبات عميق لم يعترف بها بعض الوزراء. المجلس الأعلى للثقافة الذى يضم عقول مصر ومفكريها وكتابها تحول إلى مجرد لجنة تحكيم لمنح جوائز الدولة، وكان مفروضا أن يكون «ضمير مصر» و«برلمان الفكر» وإذا كان مجلس النواب هو البرلمان السياسى فإن المجلس الأعلى هو البرلمان الثقافى، عليه ترجمة ما يصدره مجلس النواب من نصوص وقرارات إلى واقع ويبعث الحياة فى المبادىء التى يقوم عليها التشريع. ذلك المفهوم آمن به ودعت اليه وزير واحد فقط هو د. جابر عصفور... لكن!

المجلس له 25 لجنة نوعية يختص كل منها بجانب من جوانب الحياة هذه، بالإضافة الى قطاعات الوزارة عليها أن تقدم تقارير دورية فى جلسة عامة للمجلس الأعلى للثقافة لمناقشتها وإثرائها والتنسيق بينها ومع جميع المؤسسات والهيئات الأخرى. ذلك لا يحدث ولن يحدث إلا إذا استقر المفهوم العام للثقافة وأهميته ليس فقط فى المؤسسات الأخرى لكن فى الوزارة نفسها، مجالسها وأقسامها ومؤسساتها. مؤسسة واحدة كان اداؤها متميزا استحق التقدير هى مؤسسة الأوبرا بفضل نشاط الزميلة إيناس التى أنصفها الرئيس السيسى وكلفها بمسئولية إحياء الوزارة وأعاد للمرأة كرامتها والاعتراف بقدرتها. أتمنى وأتوقع أن ذلك النشاط الذى حققته فى الأوبرا يمتد ليشمل الوزارة بما سوف يكون له تأثير واضح سواء بالنسبة للداخل واستثمار الثقافة بما يحقق أهداف الوطن وآمال الشعب، أو فى الخارج حيث هناك حاجة لإعطاء صورة حضارية عن مصر الجديدة وقدرات شعبها. بذلك ترفع عن الوزارة صفة أنها ظالمة ونرجو ألا تظل مظلومة كل ذلك لن يتحقق إلا بوجود ثقافة الثقافة ولها حديث قادم.


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وزارة الثقافة ظالمة أم مظلومة وزارة الثقافة ظالمة أم مظلومة



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon