توقيت القاهرة المحلي 02:35:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سمرقند

  مصر اليوم -

سمرقند

بقلم - بهاء جاهين

 مثل ثمود وعاد وإرم ذات العماد.. نرى سمرقند أولاً فى أبهتها ثم نبكيها أطلالاً بعد أن مر ما يقرب من ألف عام انحط فيها الشرق وارتفع الغرب.. «سمرقند.. أجمل وجه أدارته الدنيا يوماً نحو الشمس».. هكذا وصفها عمر الخيام فى مخطوط يرقد الآن فى أعماق المحيط.

وسمرقند هو عنوان ثانى رواية كتبها بالفرنسية اللبنانى أمين معلوف (1983) لكنى لم أقرأها إلا من يومين فى ترجمة الدكتور عفيف دمشقية الصادرة عن دار الفارابي. وهى لا تقل روعة عن روايته الأولى «ليون الإفريقي» (1981) حول ضياع الأندلس؛ وهى امتداد مرثيته الأولى لحضارتنا بعد أن اضطرته الحرب الأهلية اللبنانية فى عام 1976أن يهجر موطنه الذى يتفتت تحت قدميه. ومنذ ذلك العام وأمين معلوف يعيش فى باريس ويكتب وينشر بالفرنسية. إلا أن قلبه وانتماءه لم يتغيرا؛ فهو رغم مارونيته ينتمى وجدانياً وثقافياً للحضارة العربية الإسلامية. وإذا كانت لغته الأدبية هى الفرنسية فإن مادته ومنظوره وقلبه لم يبارح الشرق وحضارته حتى إن كان يحيا فى عاصمة الحضارة الغربية التى انتخبته عضواً فى أعلى مجالسها الثقافية قدراً: الأكاديمية الفرنسية.

وإذا كانت سمرقند كغيرها من حواضر الشرق فى الألفية الثانية سقطت تحت سنابك خيل المغول ودمروها تدميرا فإن حكايتها تعيش؛ قبابها وقصورها وإن سوّاها بالأرض جانكيز خان وتيمور لنك ولم تستطع همة أهلها التى صارت خائرة أن تعيد بناءها فإننا رغم ذلك نراها ونسكنها وننبهر بنقوشها وعمارتها؛ ذلك أننا ندخل بفعل سحر الفن مخطوط الخيام الذى تحكى عنه الرواية والذى يضم رباعياته وذكريات شبابه فى سمرقند وقصة عشقه لجهان (وتعنى «الدنيا» بالفارسية). ذلك المخطوط هو لُب العمل وبؤرته. فهو ضائع وزائل كالشرق وكعمل الإنسان المحاط بكوارث التاريخ وبهوة العدم؛ بوجود منير ومعتم فى نفس الآن. وهو راقد فى قاع المحيط الأطلنطى ومع ذلك نحن نتصفحه مع شيرين الأميرة الفارسية والشاب الأمريكى العاشق للخيام وللأميرة: الفتى بنجامين عمَر لوساچ الذى تحاب والداه وتزوجا لأنهما معاً وبإحدى صُدف الحب الكثيرة السعيدة اكتشفا الخيام كل على حدة فى نفس التوقيت وفى ظله تلاقيا وسميا مولودهما الأول باسمه الأول: عمر وذلك فى القسمين الثالث والرابع من الرواية. وأما قبل ذلك فى الجزءين الأول والثانى فإننا نرى المخطوط وهو ما يزال ورقاً أبيض بين يدى الخيام ونتابع امتلاءه بالأشعار والرسوم المنمنمة والخواطر الفلسفية ومعادلات الجبر؛ نراه يمتلئ تحت رحمة دسائس الساسة ووحشية النار والوحل والدم ثم نراه وقد انتُزِع من حضن شاعره وسيق مختطفاً لقلعة «ألموت» حيث يعسكر حَسَن الصبّاح وحشاشوه ليرقد المخطوط هناك طويلاً حتى يجتاح المغول القلعة ولكنه ينجو من الدمار ومن الضياع بمعجزة قدَرٍ حنون لكى يُعاد اكتشافه بعد مئات السنين ويستقر بين يدى عاشقين من القرن العشرين حيث الحرب والأطماع وهوان الشرق ما زال مستمراً.. ومن الشرق يهرب العاشقان على متن السفينة «تايتانيك» وهما يحتضنان بين صدريهما المخطوط فينجوان من الغرق لكن المخطوط لا ينجو وتختفى شيرين بعد دقائق من وصولهما نيويورك فى تعليق حزين على قابلية الحب وكل شيء إنسانى للتلف. وإذا كانت سمرقند تمثل دمار حضارة الشرق فإن تايتانيك العملاقة وغرقها هو مرثية وفى نفس الوقت تعليق ساخر على هشاشة حضارة الإنسان وقابليتها للسقوط كبرج بابل المتغطرس مهما علت وشمخت وارتفعت. هذه بعض ملامح رواية «سمرقند» التى يزيدها عمقاً وتركيباً وثراءً أن المخطوط الغارق هو نفسه الرواية التى بين يديك.. فالأدب باق مهما يكن الإنسان ومدنيته عرضة للضياع.

.نقلا عن الاهرام القاهريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سمرقند سمرقند



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon