توقيت القاهرة المحلي 20:53:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معركة «الحديدة» وهزيمة الانقلاب الحوثى

  مصر اليوم -

معركة «الحديدة» وهزيمة الانقلاب الحوثى

بقلم : د. حسن أبوطالب

قبل وفاة السياسى اليمنى البارز عبدالكريم الإريانى، رحمه الله، بعدة أشهر، كان الرجل بصحبة أحد أبنائه فى القاهرة قبل الانتقال إلى الرياض لاحقاً باعتباره مستشاراً للرئيس هادى. ورغم مرضه الشديد إلا أنه كان قوى الذاكرة ولديه إلمام كامل بما يجرى فى اليمن وحوله. كنت أعرف هذا السياسى البارز والملقب بحكيم اليمن منذ فترة طويلة وقبل إعلان الوحدة مايو 1990، وكان آنذاك وزيراً للخارجية اليمنية وأحد المقربين من الرئيس السابق على عبدالله صالح، وكلما أتاحت الظروف لقاءنا فى اليمن أو فى القاهرة أو فى عاصمة أوروبية كنا نلتقى للحديث حول الهم اليمنى من كافة أبعاده. وحين كان رئيساً للجنة الحوار الوطنى التى استمرت أكثر من عام وشارك فيها ممثلون لكافة الأطياف اليمنية وانتهت إلى وضع دستور جديد للبلاد يحمى الوحدة فى ظل صيغة فيدرالية، دعانى الرجل مع مجموعة من المثقفين العرب المهتمين بالشأن اليمنى لندوة عقدت فى صنعاء لمناقشة ما انتهى إليه الحوار الوطنى اليمنى ودراسة الشكوك التى كان يبديها البعض حول قدرة الدستور الجديد على تقديم حلول للمشكلات اليمنية العويصة.

حين كان فى القاهرة مطلع 2015، بعد ثلاثة أشهر من قيام جماعة أنصار الله الحوثية بالانقلاب على حكومة الرئيس هادى، التقيت الرجل، واستمعت منه ما الذى يدور فى اليمن وكيف يتصور الأشهر التالية. من بين ما قاله لى أنه أثناء التفاوض مع جماعة الحوثيين حول اتفاق السلم والشراكة قبل قيامهم بالانقلاب على الجمهورية والدستور فى 22 سبتمبر 2014، كان عبدالملك الحوثى وباقى العناصر القيادية فى جماعة أنصار الله لا يستقرون على أى أمر فى الاتفاق بعد النقاش حوله لساعات طويلة إلا بعد العودة إلى طهران ومحادثة هاتفية لطرف ما فى العاصمة الإيرانية، والحصول منه على الإذن والموافقة على ما يُقبل وما لا يُقبل، وأنه فى هذا اليوم 21 سبتمبر 2014 أيقن تماماً أن الجماعة لا تملك من أمر نفسها شيئاً، وأن طريقتهم فى الحوار وفى تقدير الأمور لم تكن طريقة لأناس سياسيين يقدرون الأمر بروية، ويعرفون متى يخطون إلى الأمام، ومتى يتراجعون خطوة أو أكثر إلى الخلف، وأن لديهم قناعة لا حدود لها بأنهم مدعومون بتأييد إلهى، وجماعتهم هى الوحيدة فى اليمن التى على الحق المطلق، وبالتالى فالتراجع عن ما يعتبرونه الحق المطلق هو أمر لا مجال للخوض فيه. إنهم يعيشون الماضى وليس الحاضر.

وحين كان المبعوث الأممى السابق إسماعيل ولد الشيخ، وهو الآن وزير خارجية موريتانيا، مسئولاً عن الملف اليمنى، تعرض إلى كثير من التعنت الحوثى، سواء أثناء مفاوضات الكويت صيف 2016 بين ممثلى الحكومة الشرعية وممثلى تحالف الحوثيين والرئيس السابق على صالح، أو أثناء أزمة انتشار الكوليرا صيف 2017 فى المناطق التى كانت تحت سيطرة الحوثيين، ومن بينها صنعاء، وحينها قدم اقتراحاً بأن يتم تسليم ميناء الحديدة للحكومة الشرعية أو أن يوضع تحت إدارة أممية لضمان رفع الحصار وتأمين المساعدات الإنسانية التى يحتاجها اليمنيون بشدة، وإذا بقيادات الجماعة الحوثية ترفض الأمر دون أدنى مناقشة لفوائده العملية حتى للجماعة نفسها، فضلاً عن رفضهم مقابلته لاحقاً، وبعد ذلك قاموا بحملة إعلامية ضده باعتباره منحازاً للحكومة الشرعية. وشىء من هذا القبيل يحدث الآن مع المبعوث مارتن جريفيث.

طريقة التفاوض الحوثية لم تتغير حتى مع الهزائم المتتالية التى تعرضوا لها بعد أن انفض التحالف بينهم وبين المؤتمر الشعبى العام والقوات العسكرية التى كانت تحت إمرة الرئيس على صالح، وكلاهما تحول إلى تأييد الشرعية بعد واقعة اغتيال الرئيس صالح على أيدى عناصر حوثية 2 ديسمبر الماضى. بعدها أصبح الحوثيون وحدهم فى مواجهة باقى أطياف اليمن السياسية والمذهبية، ولم يقف معهم سوى عدد محدود من شيوخ قبائل متأثرين بأفكار الحوثيين حول حكم الإمامة وليس الحكم الجمهورى.

الآن جماعة أنصار الله فى موقف عسكرى غاية فى الصعوبة، ولم يعد لديهم المدد البشرى الذى يمكن استخدامه فى الحرب. عمليات خطف الأطفال والأولاد فى عمر أقل من 17 عاماً والدفع بهم إلى أتون عمليات عسكرية ومعارك طاحنة لا يقدر عليها سوى الجند المحترفين، وصلت بالفعل إلى ذروتها، وأياً كانت عمليات التعبئة المذهبية والدينية التى تستخدم فى تحفيز هؤلاء الأولاد للمشاركة فى الحرب، فلن تفلح كثيراً فى تغيير مسار العمليات العسكرية التى تنبئ بنهاية قريبة للحكم الحوثى. وما جرى فى الأشهر الستة الماضية بعد اغتيال الرئيس صالح يجسد حالة أخرى من انفصال الحوثيين عن الواقع وعدم استيعابهم حقيقة أنه غير مسموح لهم باختطاف اليمن. ولعل فقدانهم السيطرة على مطار الحديدة واقتراب قوات الحكومة الشرعية وعناصر المقاومة الشعبية كقوات العمالقة وحرس الجمهورية وغيرهم بمساندة قوية وشاملة عسكرياً وإعلامياً من التحالف يعنى أن أيامهم فى حكم اليمن باتت معدودة.

فى الحروب تظهر معادن القيادات، وفى اللحظات الفاصلة يصبح الأمر بين أحد خيارين؛ إما الدفع بمن بقى من الجنود إلى الهلاك المحتوم، أو اللجوء إلى التفاوض للحفاظ على حياة من بقى من الجنود والحفاظ على ما يمكن حمايته. والظاهر، وفى ضوء قناعات القيادات الحوثية، أنهم ما زالوا مصرين على إهلاك أنفسهم وإهلاك من يقف معهم. كل المؤشرات والحقائق على الأرض تقول إن ميزان القوى لا يتيح للعناصر الحوثية حماية «الحديدة» ومينائها، وإن قوات الحكومة الشرعية سوف تحررهما، وبعدها سيتم تحرير صنعاء ولو بعد حين. قد يكون الثمن غالياً إلى حد ما، ولكن تحرير المدينة ومينائها سوف يحدث. ما يطرحه مارتن جريفيث، المبعوث الأممى لليمن، من شقين؛ أولهما الانسحاب من المدينة والميناء وتسليمهما إلى القوات الحكومية برعاية أممية، ثم الدخول فى مفاوضات تنهى الحرب وتفتح باباً لمشاركة الحوثيين فى الحكم كجماعة سياسية، تبدو صيغة عقلانية رشيدة، سوف تجنب الجميع بحوراً من دماء اليمنيين المقهورين. ومع ذلك لا يتجاوب عبدالملك الحوثى مع تلك الفرصة الكبيرة. ما نعرفه عن قناعاتهم فى التفاوض وفى الحرب يرجح أنهم ماضون فى الخسارة وفى إنهاك اليمن. طهران التى تتخذ القرارات وتفرضها على جماعة أنصار الله الحوثية يمكن أن تلعب دوراً فى وقف تلك المأساة، ولكن يبدو أن حساباتها السياسية لا تضع أدنى اعتبار للدماء اليمنية رغم كونها دماء مسلمين.

نقلًا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة «الحديدة» وهزيمة الانقلاب الحوثى معركة «الحديدة» وهزيمة الانقلاب الحوثى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 19:13 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما
  مصر اليوم - دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
  مصر اليوم - فولكس واغن أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 19:04 2022 الخميس ,03 آذار/ مارس

تأهيل الحكومة الرقمية من أجل التنمية

GMT 11:04 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

"فورد" تستدعى 5234 سيارة فى الصين لمخاطر تتعلق بالسلامة

GMT 03:05 2024 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

5 ملايين زائر لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

GMT 05:32 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دول غرب أفريقيا تتخذ إجراءات جديدة لإنقاذ الغابات

GMT 18:11 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

عودة ميسي ووصول لاعبو البارسا لمواجهة رايو فاليكانو الليلة

GMT 04:18 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

"بي بي" تؤكد بدء إنتاج 50 مليون قدم من الغاز في مصر

GMT 16:41 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

كشف ملابسات مقتل سيدة بمنزلها ذبحًا في دمياط

GMT 08:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أطعمة مهمة تساعدك في علاج الأرق المزعج

GMT 09:17 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التناقض عنوان المجموعة الشتوية الجديدة لزياد نكد

GMT 11:42 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر guess seducriv I am yours لإطلالة غامضة ومغرية

GMT 23:10 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

مطار سوهاج يُجري تجربة طواريء لطائرة منكوبة

GMT 08:59 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

عائشة بن أحمد تُشعل مواقع التواصل بإطلالة رائعة

GMT 14:00 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أمسيات دينية في مساجد الإسكندرية عن أهمية الثقافة في التربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon