توقيت القاهرة المحلي 01:22:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب سينسحب من سورية ومن بعده... الطوفان

  مصر اليوم -

ترامب سينسحب من سورية ومن بعده الطوفان

بقلم : حازم الامين

 فاجأ دونالد ترامب العالم مجدداً! ها هو ينوي الانسحاب من سورية. الخطوة لم تكن متوقعة على الإطلاق، ذاك أن الرجل على أبواب مواجهة مع طهران، والانسحاب يعني للوهلة الأولى خطوة إلى الوراء في هذه المواجهة!

محاولات إيجاد سياق لقرار الرئيس الأميركي لن تفضي إلى تصورٍ لمستقبل سورية والإقليم في ظل هذا الفراغ الجديد. فالخطوة الأميركية إذا ما بوشر في تنفيذها على نحو سريع ستفسح في المجال لما لا يحصى من مواجهات. وسيأخذ الاصطفاف الإقليمي أشكالاً جديدة. الانسحاب من سورية يعني مواجهة أكيدة بين تركيا والأكراد في سورية. والانسحاب يعني أيضاً تحويل احتمالات المواجهة بين طهران وتل أبيب إلى واقع شبه محسوم. والانسحاب يعني ترك فلاديمير بوتين لاعباً دولياً وحيداً في سورية، مع ما يعني ذلك من احتمالات استمالته مزيداً من حلفاء واشنطن إلى صفه ومن بينهم عمان مثلاً. لكنه سيعني أيضاً تفويض موسكو مهمة ليست بحجم تنفيذها.

الانسحاب يعني انهيار نظام الحرب في سورية، والتأسيس لنظام حرب مختلف، مع ما يترتب على هذا التأسيس من استئناف للدمار والحروب.

قرار الانسحاب من سورية لا يشبه إطلاقاً القرار الذي كان اتخذه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالانسحاب من العراق. فالأخير وعلى رغم النتائج الكارثية لقراره، وما نجم عنه من تسليم طهران القرار العراقي، جاء في سياق «إيجابي»، أي إن الرئيس قال: «لقد أنجزنا المهمة وعلينا العودة إلى البلاد»، أما ترامب فانسحابه يوحي برغبته في فتح سورية على احتمالات حروب. هو انسحاب انتقامي، ويوحي بأن القوة الأولى في العالم غير مسؤولة عن شيء، ويمكن أن تخلي موقعها لقوى الشر الصغرى، وهي إذ استدرجت قوى محلية إلى موقعها في النزاع فها هي تتركهم وحيدين في مواجهة جيوش جرارة. هذه حال أكراد سورية الذين ستنقض أنقرة عليهم فور مغادرة آخر جندي أميركي مناطقهم، وهذه حال الأردنيين الذين سيجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع طهران في جنوب سورية، ولن يعثروا على ضالتهم إلا في مزيد من الاقتراب من موسكو ومن تل أبيب.

تفسير الخطوة بصفتها تمهيداً لمواجهة مباشرة مع طهران في سورية، خصوصاً في ظل الاحتقان الكبير في العلاقة مع موسكو بعد خطوتي طرد الديبلوماسيين، يعني أننا على مشارف ولادة جهنم شرق أوسطية جديدة أين منها جهنم السورية اليوم. لكن المخيف أن هذا هو التفسير الوحيد لهذه الخطوة الصادمة. حرب إسرائيلية - إيرانية في وسط سورية وفي جنوبها، وابتلاع تركي للشمال والشرق. والأرجح أن موسكو لن تقوى على إدارة هذا العنف وعلى توظيفه في مد نفوذها إلى مناطق الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأميركي.

لكن واشنطن القادرة على تفجير كل هذه التناقضات لن تكون قادرة على ضبط نتائجها. ولطالما أنجبت الحروب ما لم يكن متوقعاً. فولادة «داعش» كانت في لحظة إحلال العنف في فراغ خلفه الأميركيون، وتحول قاسم سليماني الرجل الأول في العراق حدث في لحظة مشابهة.

حسابات تل أبيب ليست هي نفسها حسابات واشنطن، وإذا كان إلغاء الاتفاق النووي هو وجهة العاصمتين، إلا أنهما تفترقان في الكثير من الحسابات الموازية. كذلك الأمر بالنسبة إلى أنقرة، فتخلي واشنطن عن الأكراد في سورية سيدفع إلى حرب تتقدم فيها حسابات أنقرة حسابات واشنطن، وعودة الأخيرة إلى مسرح التأثير لن يكون طريقه معبداً.

في خطوة الانسحاب قدر من المراهقة ومن العجز عن احتساب تبعات هذا الانسحاب وما يجره على واشنطن نفسها من ضعف في الموقع وفي القدرة على التأثير. وهذه المراهقة التي لطالما وسمت سياسة ترامب في الكثير من المحطات وليس أقلها الإقالات المرتجلة لرجالات إدارته، ستضاعف انعدام الثقة بين واشنطن وبين كل جماعات المنطقة.

وإذا كان المثل الكردي القائل «لا صديق للأكراد إلا الجبال»، هو ما يمكن تكراره إلى حد الابتذال في الكثير من المناسبات، لا سيما في الأشهر الأخيرة المنصرمة، سواء في كركوك أو في عفرين واليوم في القامشلي على الأرجح، فإن شطره الثاني يمكن أن يكون «لا صديق لواشنطن في الشرق الأوسط إلا تل أبيب». وأثبت ترامب أن قابليته لبيع القوة والدعم لا حدود لها، لكن أيضاً لا حدود لقابليته على التخلي عن أقرب حلفائه وزبائنه.

ربما أربك قرار الانسحاب خصوم واشنطن في سورية، أي موسكو وطهران، ووضعهما وجهاً لوجه أمام استحقاقات كانت واشنطن تتولى تصريفها. لكن لتخلي واشنطن عن موقعها في ضبط أشكال النزاع وفي لجم احتمالات تمدده سيؤدي إلى نتائج تفوق ما هدفت إليه واشنطن من وراء قرار انسحابها من سورية. هزيمة «داعش» مثلاً لم تكن ممكنة لولا المشاركة الأميركية في الحرب على التنظيم في كل من سورية والعراق. فمشاركة واشنطن في هذه الحرب لم تكن ميدانية وحسب، إنما تأمن عبر هذه المشاركة غطاء عربي سحب من يد التنظيم إمكان توفير غطاء مذهبي له كان سيجعل النصر عليه مستحيلاً.

بعد الانسحاب الأميركي ستفقد المنطقة ضابطاً حدودَ الموت والقتل. تركيا ستقضي على الأكراد. المسألة لن تكون انتصاراً، بل دفعهم بعيداً من حدودها مع سورية. والحرب بين إسرائيل وإيران أيضاً ستبحث عن فرصة لـ «انتصارٍ» كامل. وفلاديمير بوتين ربما كان الخاسر الأكبر، ذاك أن «المارد الروسي» من ورق في آخر المطاف، ولن يقوى على إدارة كل هذه الحروب.

هذا هو دونالد ترامب، الرجل الذي يدير أكبر دولة في العالم على نحو ما يدير شركته. الحلفاء بالنسبة إليه مجرد زبائن، والحروب أشبه بأسواقٍ، والدم مجرد لونٍ أحمر يغني مشهد ما يطمح إليه من تبادلات.

 نقلاً عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب سينسحب من سورية ومن بعده الطوفان ترامب سينسحب من سورية ومن بعده الطوفان



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر

GMT 06:58 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

علاج محتمل للسكري لا يعتمد على "الإنسولين" تعرف عليه

GMT 14:10 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أسوان يخطط لعقد 9 صفقات قبل غلق باب القيد لتدعيم صفوفه

GMT 21:53 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

جهاز المنتخب الوطني يحضر مباراة الأهلي والإنتاج الحربي

GMT 17:44 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تونس تتصدر أجانب الدوري المصري بـ16 لاعبًا في الأندية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon