توقيت القاهرة المحلي 08:42:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سامحنا يا عبد الجواد

  مصر اليوم -

سامحنا يا عبد الجواد

بقلم - سوسن الشاعر

لك الله يا محمد عبد الجواد آخر النحاسين المقدسيين في سوق الخواجات في القدس، الذي يحاول الصمود والبقاء في مواجهة ضعف السوق وشح زوارها. سامحنا يا عبد الجواد فلم نحسم بعد قرارنا، ونحتاج إلى عشرة أعوام، وربما عشرين عاماً، لنقرر إن كانت زيارتنا لك تطبيعاً أم لا تطبيع!

تذكرت لقاءً أجرته صحيفة «العرب» مع السيد محمد عبد الجواد، قرأته قبل عدة أشهر، وأنا أستمع إلى الجدل السفسطائي المستمر منذ عقود حول جواز أو عدم جواز زيارة المقدسيين؛ إذ عادت للسطح مجدداً في المؤتمر الذي أقامه الأزهر لمناصرة القدس بالقاهرة يومي 17 و18 يناير (كانون الثاني)، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، جدلية زيارة القدس، هل هي من «التطبيع» مع الكيان الصهيوني، أم هي دعم للمقدسيين؟ وهو المؤتمر الذي حضره عدد من المشاركين العرب والأجانب مسلمين ومسيحيين ويهوداً من أكثر من 168 دولة، وعاد السؤال المطروح منذ ما بعد أوسلو ليتجدد الأسبوع الماضي في المؤتمر؛ هل نزور القدس أم ذلك يعد تطبيعاً؟ كيف يمكن أن نفك عزلة المقدسيين، وحصارهم، وإقصاءهم، وندعمهم للصمود داخل القدس، وعدم هجرهم، دون أن نمنح الاحتلال الشرعية بمرورنا على حواجزه؟

ومن الضروري أن نفرق، قبل الاستطراد في القراءة، بين الراغب في الدخول للقدس، والراغب في الدخول لتل أبيب! وأن نفرق بين الدخول عبر معاملات سفارات الدولة الفلسطينية والدخول عبر جوازات مطار بن غوريون، والتعامل مع الفلسطينيين هناك أم التعامل مع الإسرائيليين، فنحن نناقش هنا هل تعد زيارة العرب للمقدسيين عبر طلب تأشيرة من السفارات الفلسطينية للدخول إلى القدس من خلال إجراءاتها تطبيعاً مع الكيان الصهيوني أم لا؟

ليت مؤتمر الأزهر استضاف عبد الجواد ليحدثنا عن أسباب بقائه وحيداً في سوق «الخواجات» أقدم الأسواق المقدسية التي بناها المماليك، وكيف يمر يوم عبد الجواد عليه، وهو يحدث نفسه في دكانه وحيداً، ويستجدي الوقت، عله يجزيه بزائر عابر لهذه السوق العريقة التي اشتاقت لصوت الأقدام تجوبها شرقاً وغرباً، لتمر على سوق العطارين وسوق اللحامين، وهي الآن خاوية بعد أن أغلق أصحاب الدكاكين محلاتهم، بسبب قلة الزائرين، وبسبب كثرة الضرائب الإسرائيلية.

ليتهم استضافوه ليخبرهم أن أمنية إسرائيل أن يتخلى عبد الجواد عن «عناده»، ويخلي محله، وييأس كغيره من النحاسين الذين يئسوا قبله؛ فإسرائيل تعمل وبخطى حثيثة على إخلاء القدس من أهلها الأصليين، وقد نجحوا في ذلك، فلم يبق منهم غير 40 في المائة فقط، وفقاً لإحصاءات «جيحون» مؤسسة المياه في بلدية القدس، أما وفقاً لإدارة الإحصاء في إسرائيل، فإنها أقلَّ نسبة، إذ تقدر دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عدد الفلسطينيين في القدس بـ324 ألفاً، أي 37 في المائة فقط مقابل 542 ألف إسرائيلي، أي 63 في المائة!! (موقع العربية).

أتيح للعرب الالتقاء بالمقدسيين، وزيارتهم في ديارهم، والمشي في شوارعهم، والالتقاء بتجارها وبفلاحيها وبحرفييها ومدرسيها وأطبائها، لكن غالبيتهم ترددوا خشية أن تكون تلك الزيارة خدمة للاحتلال وإقراراً بشرعيته، وتلك مخاوف مشروعة، فنحن لا نريد لهذا الكيان أن يشعر أننا نتساهل في الحق الفلسطيني في أن تكون له دولته، وعاصمتها القدس، كحق تاريخي وشرعي له، إنما بالمقابل تركنا المقدسيين ليواجهوا حملة التفريغ لوحدهم.

لا يسأل أيٌّ منا متى وكيف حدث هذا الانقلاب.. كيف انقلبت المعادلة، فبعد أن كان اليهود أقلية أصبحوا غالبية في هذه المدينة، إذ حتى عام 1967 كان عدد اليهود في القدس الشرقية صفراً، وفقاً لدراسة علمية لمحمد عوض الهزايمة بعنوان «القدس في الصراع العربي الإسرائيلي»، وحين فتحت المعابر عام 1993 بعد اتفاقية أوسلو كان عددهم لا يتجاوز 167 ألفاً، أما اليوم فيقدر عددهم بـ542 ألفاً!! وبعد أن كانت نسبة العرب 100 في المائة تضاءلت نسبتهم إلى 37 في المائة، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية.

وتتضاءل نسبة من هم على شاكلة عبد الجواد الصامد، إذ يواظب عبد الجواد على فتح دكانه، ولا ينسى الإشارة إلى كون ذلك محاولة متواضعة لإحياء سوق الخواجات التي أغلقت أغلبية محلاتها. ويتسع طموح عبد الجواد إلى أن ينتج تذكاراً مميّزاً من النحاس يقتنيه السائح أو الزائر للقدس؛ «من صميم القدس» كما يقول، يحكي حكايتها، ويحمل رموزها.

ويقول: «عندما تذهب إلى مصر مثلاً تشتري تذكارات من صنع مصري، تحاكي الأهرام مثلاً، وهكذا في كلّ الدول، فلماذا لا تكون لدينا في القدس تذكارات للسياح، تحمل رموز القدس وفلسطين، مثل باب العامود أو باب الخليل أو قبة الصخرة، وتكون كذلك من صنع أبنائها وداخل أسواقها؟». («العرب» عدد 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017).

أخي عبد الجواد، على تحفك الفنية النحاسية لباب العمود وباب الخليل وقبة الصخرة أن تنتظر على الرف، فبعد المؤتمر صاحت قناة «الجزيرة» في تقرير عنوانه «هل تعلن السعودية والإمارات والبحرين علاقتها الرسمية مع إسرائيل قريباً؟».

وتلك صيحة من شأنها أن تبقي على نحاسياتك الرائعة «من صميم القدس» على الرف إلى أن نحسم الجدل، هل زيارتنا لكم خيانة لكم ولقضيتكم أو دعماً لكم؟

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سامحنا يا عبد الجواد سامحنا يا عبد الجواد



GMT 05:21 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

سوف يكون يوماً فظيعاً

GMT 05:15 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

مِحنُ الهلال الخصيب وفِتَنه

GMT 05:12 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

لا حل في السودان إلا بالعودة إلى «منبر جدة»

GMT 05:07 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

مؤتمر باريس السوداني... رسائل متناقضة

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - موناكو وجهة سياحية مُميّزة لعشاق الطبيعة والتاريخ

GMT 16:28 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين
  مصر اليوم - أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
  مصر اليوم - فولكس واغن أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 00:48 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

محمد رمضان يتصدر مؤشرات محرك البحث "غوغل"

GMT 23:26 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

السنغال تُسجل 21 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 11:27 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

مجلة دبلوماسية تهدى درع تكريم لسارة السهيل

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

خطوات تضمن لكٍ الحصول على بشرة صافية خالية من الشعر

GMT 16:39 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الحكومة المصرية تحصل على منح بـ 635 مليون جنيه

GMT 05:48 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

جوني ديب يقرر الزواج من راقصة روسية

GMT 13:34 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي لدول المتوسط يصنّف الأفضل لعام 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon