توقيت القاهرة المحلي 11:09:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يسألونك عن البيتكوين، قل…

  مصر اليوم -

يسألونك عن البيتكوين، قل…

بقلم - أحمد شمس الدين

«إذا كان كل ما تملك هو الشاكوش، فسيبدو كل شيء أمامك كالمسمار»- إبراهام ماسلو

تذكرت هذه المقولة للفيلسوف وعالم النفس الشهير إبراهام ماسلو وأنا أتابع حالة الجدل الكبيرة حول العملات الرقمية المشفرة وأشهرها عملة «البيتكوين» بعد أن حققت قفزات سعرية ضخمة للغاية جعلتها في مقدمة جميع العملات والأدوات المالية المتداولة عالميا من حيث العائد على الاستثمار.

فصدق أو لا تصدق، من اشتري بقيمة ١٠٠٠ دولار من البيتكوين عند إصدارها عام ٢٠٠٩ (٥.٥٠٠ جنيه مصري) تبلغ قيمة استثماره اليوم حوالي ٢٣٨ مليون دولار (٤.٢ مليار جنيه مصري)، بمتوسط عائد بلغ ٣٠٠٪؜ سنويا، وهو أضعاف ما حققته أفضل الأسهم العالمية خلال هذه الفترة مثل سهم شركة نيتفلكس الأمريكية الذي حقق متوسط عائد بلغ ٤٤٪؜ سنويا وسهم شركة أبل بمتوسط عائد سنوي بلغ ٢٢٪؜.. وكان طبيعيا أن تثير هذه القفزات السعرية تساؤلات المستثمرين والعامة على حد سواء، فعلي مدي سنوات عملي في مجال المالية والاستثمار، لم أواجه بأسئلة أو طلبات استشارة بمثل هذه الكثافة التي أراها الآن حول البيتكوين...

وقد أثارت تلك العملات الرقمية جدلا كبيرا في الأوساط المالية والاقتصادية. فقد حذّر وارين بافيت، الملياردير الأمريكي وأشهر مستثمري العالم، من شراء البيتكوين ورآها مجرد فقاعة لا يمكن تقييمها بالشكل الصحيح، كما وصفها جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار الامريكي الشهير جي بي مورجان بأنها عملية نصب واحتيال وهو الرأي الذي أجمع عليه أيضا الغالبية العظمي من أساتذتنا الاقتصاديين والماليين في مصر.

قد استندت معظم الاّراء المهاجمة للبيتكوين وباقي العملات الرقمية (وهى ست عملات) إلى عدم وجود غِطاء لها بأصول ملموسة أو التزام من البنوك المركزيّة وأنها لا تخضع للجهات الرقابية الشرعية.

وأعتقد أن هذه الاّراء هِي ما استندت إليه دار الإفتاء المصرية حينما أفتت منذ يومين بتحريم البيتكوين باعتبارها مقامرة تؤدي إلى خسائر فادحة وتستخدم في تمويل أنشطة غير شرعية. تلك الفتوي التي ذكرتني بفتاوي تاريخية بتحريم العديد من الاختراعات البشرية في بداياتها مثل العجلة والدراجة البخارية والسيارة، مرورا بالراديو والتليفزيون ثم بالإنترنت والتليفون المحمول والمحمول بكاميرا وغير ذلك من فتوحات تكنولوجية أصبحت جزءا أساسيا من حياة من حرموها في السابق...

وأزعم أن العملات الرقمية المشفرة وبالأخص التكنولوجية التي وراءها وهي ما تسمي سلسلة الكتل أو البلوك تشين (Blockchain) ما هي إلا فتح تكنولوجي آخر قد يغير تماما من وجه النظام المالي الذي نعرفه بل وتتخطي ذلك إلى جميع القطاعات الاقتصادية التي يلعب فيها الوسطاء دورا كبيرا يقتسم فيه جزءا كبيرا من القيمة المادية مع المنتج الأصلي ويؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى رفع السعر النهائي على المستهلك، مثل إدارة سلسلة الإمدادات والإنتاج الفني والأدبي والنقل الخاص والصناعات اللوجستية وصناعة التأمين... الخ

تكنولوجيا البلوك تشين تقوم على لوغاريتمات دقيقة ومعقدة للغاية تسمح بالتوزيع الفوري لعدد لا نهائي من السجلات وجعلها متاحة لجميع المستخدمين وإعطاء حق التحقق من صحة البيانات للجميع نظير حافز مادي وبشكل لا مركزي يستحيل معه التآمر بين مجموعة من الأفراد لتقديم بيانات مغلوطة لباقي المتعاملين. ويسمح هذا النظام بتسجيل المعاملات وتحويل البيانات الخاصة بكل متعامل بطريقة ديمقراطية وشفافة ومنخفضة التكلفة (وأقصد هنا التكلفة الخاصة بالمعاملات وليس التكنولوجيا)

و الحقيقة فأنا أري أن السبب الرئيسي لرفض العديد من الاقتصاديين انتشار العملات الرقمية المشفرة هو التمسك بمركزية النظام المالي والخوف من المجهول، خاصة أن التحولات التكنولوجية المهمة في التاريخ (مثل الإنترنت) قد تسببت في بدايتها في خلق فقاعات سعرية أدت لخسائر فادحة في أسواق المال قبل أن تغير وجه الحياة كليا..

وعودة إلى الأساسيات. دعونا نسترجع الوظائف الأساسية للنقود قبل محاولة استقراء مستقبل العملات الرقمية، فالنقود في الأساس تستخدم كوسيط مقبول في التعاملات بين الأفراد والجهات وأيضا كمخزن للقيمة. ولا شك أن القبول بالعملات الرقمية المشفرة قد ازداد موخرا بشكل ملحوظ. بالطبع فهناك العديد من المضاربات التي رفعت أسعار تلك العملات موخرا، وخاصة في الصين حيث يفتقد الأفراد والمؤسسات إلى وسائل ادخار فعالة، لكن هذا لا ينفي ان القبول بها كوسيط للتعاملات في ازدياد ملحوظ.

فإن القيمة السوقية للعملات الرقمية الآن حوالي ١٢٥ مليار دولار وهي تمثل الآن 2.5٪؜ من قيمة النقود المتداولة عالميا والبالغة 5 تريليونات دولار طبقا لبيانات بنك التسويات الدولية، وهذه نسبة لا يستهان بها أبدا إذا وضعنا في الاعتبار حداثة تلك العملات وتأثيرها الحالي والمتوقع في نسبة نمو عرض النقود العالمي.

أما عن دور النقود كمخزن للقيمة، فربما تكون عزيزي القارئ قد تيقنت من تجربة تعويم الجنيه موخرا أن الرهان على ثبات السياسة النقدية للبنوك المركزية هو رهان غير آمن وينطبق هذا حتي على العملات الرئيسيّة في العالم والتي يرتبط سعرها ارتباطا وثيقا بالسياسات النقدية للبنوك المركزية بعد الاستغناء عن الغطاء الذهبي للدولار في سبعينيات القرن الماضي. وعودة مرة أخرى إلى الأساسيات، لماذا ينظر إلى الذهب تاريخيا كمخزن للقيمة مقارنة بالعملات الورقية؟ السبب الرئيسي هو ندرة عرض الذهب مقارنة بالمعادن النفيسة الأخري لهذا تنبع قيمته من داخله وهو ما يجعله ملاذا آمنا للمستثمرين في أوقات الأزمات الاقتصادية ويرتفع سعره كلما انخفض سعر الدولار. وهذا هو قانون الندرة ذاته الذي قد يجعل من العملات الرقمية المشفرة مخزن أفضل للقيمة من العملات التقليدية في المستقبل، فالبيتكوين على سبيل المثال مصممة على معادلات لوغاريتمية معقدة تضع سقفا لإجمالي ما يمكن إنتاجه من العملة إلى ٢١ مليون وحدة فقط.

وهنا يأتي السؤال الأهم، ما الذي يجعل أي شخص يقبل بالبيتكوين كوسيط للمعاملات بديلا عن الدولار مثلا؟ هناك العديد من الأسباب، فهذه التعاملات الرقمية المشفرة تسمح بسرية التعاملات بدون وجود وسيط مالي، وهو ما يراه البعض طريقا لتمويل عمليات غير شرعية مثل التجارة غير القانونية وهو ما قد يحدث بالفعل، وهناك أيضا عنصر التكلفة، فتحويل الأموال بهذه التكنولوجيا قد لا يكلف أكثر من ١٠٪؜ فقط من مصاريف الوسطاء المصرفيين، بالإضافة إلى عنصر الشفافية الكاملة وإمكانية الاطلاع على الملف المتكامل لتاريخ الطرف الآخر من المعاملة وقصر المدة الزمنية وسهولة التنفيذ.

إذا ما استمرت العملات الرقمية في الانتشار كوسيط للتعاملات أو حتي كأداة من أدوات المضاربة والاستثمار، فسيؤدي هذا إلى ارتفاع المعروض النقدي بشكل سيحدث موجة تضخمية عالية وهو ما قد يجبر البنوك المركزية العالمية لسحب جزء من عملاتها في السوق لإعادة الاتزان النقدي أو لمنافسة تلك العملات عن طريق إصدار عملات رقمية خاصة بها، واغلب ظني أن هذا ما سوف يحدث في المستقبل.

أرجو ألا يقرأ هذا المقال كتوصية من الكاتب لشراء البيتكوين أو أخواتها من العملات الرقمية الان، فالحقيقة أن نسبة المكسب والخسارة تكاد تكون متساوية خاصة بعد المضاربات السعرية الكبيرة عليها مؤخرا. فقط أردت توضيح ما يمكن أن تؤدي إليه هذه التكنولوجيا من تغيير هيكلي في أسس الاقتصاد، وان ننظر إليها بالاحترام الكافي حتي نفهمها ونستعد لعصر ثورة تكنولوجية جديدة قد نجد لأنفسنا موضع قدم فيه...

فاللامركزية التي يستند إليها البعض لمهاجمة هذه التكنولوجيا ستكون هي ذاتها أهم أسباب نجاحها في المستقبل. نعم قد تستخدم الأن في تمويل عمليات غير قانونية، نعم هناك تساؤلات مشروعة عن استمرارية البنك المركزي للعب دور الملاذ الأخير للإقراض، ودور التأثير المضاعف (multiplier effect) للنقود حاليا وما إلى ذلك... ولكن يجب مناقشة هذه المخاوف من قاعدة الاستمرارية وليس بعقلية المنع. فالتطور التكنولوجي واستخداماته بين البشر لم ولن يتوقف بقرار من حكومة مركزية أو بحملات مضادة أو ادعاءات أخلاقية ودينية. اللامركزيّة أحد إنتاجات الثورة التكنولوجية وسيكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية في المستقيل القريب لا يمكن تصورها وفهمها بالتفكير النمطي وفي القالب التقليدي للمؤسسات الحالية.

وقد يتسع المجال في المستقبل للحديث عن باقي القطاعات التي قد تعيد هيكلتها تكنولوجيا البلوكتشين.

 

نقلا عن المصري اليوم

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يسألونك عن البيتكوين، قل… يسألونك عن البيتكوين، قل…



GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon