توقيت القاهرة المحلي 01:30:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا

  مصر اليوم -

«الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا

بقلم : د. عبد العليم محمد

 القوة السافرة مهما تكن قدرتها على القتل والتدمير غالبا تقصر عن تحقيق أهدافها، أو على الأقل تتعثر فى تحقيق هذه الأهداف المنوطة بها، فى حين أن تغليف هذه القوة بدعاوى أخلاقية وقيمية وحضارية، يدعم فاعلية هذه القوة وتأثيرها، ويغطى على تداعيات استخدامها الكارثية، ومن ثم فإننا نجد فى التاريخ سواء منه الوسيط أو الحديث أو المعاصر أن استخدام القوة ترافق دوما مع شعارات وقيم تخفى حقيقة المصالح التى تحرك استخدام هذه القوة، فالصليب فى الحروب التى انتسبت إليه، كان براء منها والدفاع عن العالم المسيحى والمسيحية لم يكن سوى شعار يخفى أزمات ومصالح القوى والإمبراطوريات الأوروبية، التى قادت هذه الحملات.

فى الحالة الإسرائيلية كان استخدام القوة فى معظم المراحل وحتى الآن مغلفا «بالاستقلال» تارة وبالدفاع الشرعى عن النفس تارة أخرى ومحاربة «الإرهاب» الفلسطينى تارة ثالثة، ومن خلال الحرب الدعائية والنفسية الصهيونية والإسرائيلية والدوائر التى ترتبط بها فى الغرب يبدو أن إسرائيل حتى الآن تكسب الجولة الأخلاقية وتخفى حقيقة استخدام قوتها تحت شعارات أخلاقية وقيمية، فهى الدولة الديمقراطية وامتداد للحضارة الغربية فى المنطقة العربية وتدعى «نبل السلاح» الذى تستخدمه لمواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن.

وفى هذه اللحظات الفارقة فى تاريخ القضية الفلسطينية يبدو أن استراتيجية المواجهة الراهنة لابد أن تأخذ فى اعتبارها ضرورة نزع الغطاء الأخلاقى عن إسرائيل، وكشف طبيعة عنصريتها إزاء العرب والفلسطينيين، وهى المعركة التى يبدو أننا حتى الآن لم نخضها بعد.

وهذا الطريق الطويل الذى علينا شعوبا وحكومات ومنظمات مجتمع مدنى أن نسير فيه، قد يبدأ بخطوة ألا وهى مطالبة المجتمع الدولى ومنظماته وهيئاته بانطباق جريمة «الهولوكست» أو جريمة الإبادة على الشعب الفلسطينى عبر ملف تاريخى موثق حول عمليات التطهير العرقى والطرد والتشريد والتمييز العنصرى الذى مارسته إسرائيل قبل وبعد نشأة الدولة.

طالب الأرمن بذلك فى عام 1987 أى بانطباق جريمة الإبادة على ما تعرض له الأرمن فى تركيا عامى 1915، 1916 وحصلوا على اعتراف البرلمان الأوروبى بانطباق هذا المفهوم عليهم فى وثيقة تاريخية صادرة عنه.

والهدف بالتأكيد فى الحالة الإسرائيلية هو كسر احتكار إسرائيل واليهود «للهولوكست» وإنهاء التفرد والاستثنائية التى يحظى بها اليهود لأن ذلك أفضى إلى استمرار اليهود فى اعتبارهم الضحية الأولى، ووضعهم فى صدارة المعاناة الإنسانية.

مطالبة المجتمع الدولى بذلك يعنى مطالبته بعدم وضع تراتبية للمعاناة، ذلك ان كافة أشكال المعاناة إنسانية وتستحق الإدانة والاستنكار، اليهود، الأرمن الشعب الفلسطينى، العبودية، الهنود الحمر، ويجب إنهاء التمييز فى المعاناة وتفضيل إحداها على الأخرى وحتى بافتراض عدم نجاح العرب حكومات وشعوب ومجتمع مدنى فى تحقيق هذا الهدف، فإنه بلا شك ستفضى هذه المحاولة للفت أنظار قطاعات كبيرة من الرأى العام الغربى نحو ما يجرى فى أرض فلسطين وسيتساءل الكثيرون هل حقا ارتكبت إسرائيل جريمة «الهولوكوست» بحق الشعب الفلسطينى وسيضطرون للاطلاع على الرواية العربية الفلسطينية الغائبة خاصة فى هذه الآونة التى تزداد فيها المقاطعة الرسمية والشعبية لإسرائيل فى العديد من الدوائر الغربية. ربما يجد الإسرائيليون فى ذلك محاولة لسرقة تاريخهم على غرار ما صرح به «إسحق شاهير» لدى إعداد منظمة التحرير الفلسطينية فى عام 1987 سفينة العودة عقب إبعاد إسرائيل لبعض المدنيين الفلسطينيين، وهى العملية التى أدانها مجلس الأمن فى قراره رقم 607، صرح شامير حينئذ قائلا «إنهم يسرقون تاريخنا» فى إشارة إلى السفينة التى كانت تحمل المهاجرين اليهود «إس إس باتريا» عام 1939 ورفضت سلطات الانتداب البريطانى آنذاك السماح لهؤلاء المهاجرين بالنزول إلى شواطئ فلسطين فى مدينة حيفا، نظرا لأنها كانت قد حددت أعداد هؤلاء المهاجرين، ورغم أن الوكالة اليهودية قد حاولت إثناء سلطات الانتداب عن هذا القرار؛ إلا أنها لم تنجح فى ذلك، وحينئذ كلف موسى شاريت وكان مسئول الدائرة السياسية بالوكالة اليهودية عن طريق عصابات «الهاجاناه» بتفجير السفينة وقام عملاء «الهاجاناه» بوضع متفجرات بجوار محركات السفينة وراح ضحية هذه العملية ما يقرب من 260 مهاجرا وأصيب 172 آخرون.

لقد ساهم الفلسطينيون فى إنقاذ ضحايا «إس إس باتريا» وأمدوهم فى ميناء حيفا بالملابس والأغطية والأغذية ومن بين من أنقذوهم بعض من أصبحوا ضباطا فى جيش الدفاع الإسرائيلى وقاموا بالعديد من العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين، وكأنهم فقدوا إنسانيتهم وذاكرتهم.

كذلك فعلت الموساد بسفينة العودة الفلسطينية حينما قام عملاؤه بتفجير السفينة، وتعطلت عن الإبحار إلى فلسطين.

العودة الفلسطينية آتية لا ريب فيها إن عن طريق البحر أو البر، فالشعب الفلسطينى لا يزال وبعد مائة عام من المقاومة قادرا على صنع الدهشة وابتكار الوسائل الجديدة والسلمية وغير المسبوقة لفرض قضيته على مختلف الدوائر، وفى مواجهة من يريدون تصفية قضيته ويعرف الشعب الفلسطينى قواعد الاشتباك المدنى والسلمى فى ظل اختلال موازين القوى.

نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا «الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات

GMT 17:36 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

الصين تعلن تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 12:34 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

شنط ماركات رجالية لم تعد حكرا على النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon