توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاتفاق النووي الروسي مع تركيا يستهدف الحلف الأطلسي

  مصر اليوم -

الاتفاق النووي الروسي مع تركيا يستهدف الحلف الأطلسي

بقلم ـ هدى الحسيني

نشر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قواته البرية والجوية في سوريا والعراق، واعداً بعمق أبعد. أما أسطوله البحري، فيحركه في بحر إيجه مهدداً قبرص واليونان؛ إنه يعلي سقفه كثيراً حتى إذا جاء موعد الحصاد، يعرف حسب اعتقاده مقدار حصته. يوم الأحد الماضي، دعا ألكسيس تسيبراس، رئيس وزراء اليونان، في ذكرى استقلال اليونان عن الحكم العثماني عام 1891، تركيا إلى وقف أنشطتها غير القانونية في بحر إيجه، واحترام القانون الدولي. وقال وزير دفاعه بانوس كامينوس، في المناسبة نفسها: «سنسحق كل من يجرؤ على التشكيك في سيادتنا الوطنية، وينبغي على أي شخص يفكر في (الإمبراطوريات) العثمانية أن يتذكر كيف حارب الشعب اليوناني من أجل استقلاله عام 1821».

وعلى مدى الشهرين الماضيين، يتصاعد التوتر بين تركيا واليونان بسبب عدد من المشكلات، بما في ذلك عمليات الحفر والتنقيب عن الغاز حول قبرص، وتسليم الجنود الأتراك الذين فروا إلى اليونان بعد محاولة انقلاب 15 يوليو (تموز) 2016. وتعارض تركيا حق جمهورية قبرص في استغلال احتياطيات الغاز الضخمة المحتملة في شرق البحر الأبيض المتوسط، زاعمة أن ذلك ينتهك حقوق القبارصة الأتراك في شمال الجزيرة، وقد منعت شركة النفط الإيطالية «إيني» مرتين هذا العام من إجراء عمليات تنقيب استكشافية. وفقط بعدما وصلت سفينة هجوم برمائية تابعة للبحرية الأميركية، ووحدات بحرية أخرى، إلى مدينة ليماسول الساحلية القبرصية، تمكنت شركة النفط الأميركية «إكسون موبيل» من بدء الحفر الخاص بالمضاربة.

إن قدرة أوروبا المتناقصة باستمرار في التأثير على تركيا تضيف إلى الصعوبات التي تواجهها اليونان وقبرص في علاقاتهما مع جارتهما، ثم إن الرئيس التركي يقدم نفسه على أنه حامي المسلمين والمنتصر الكبير، ومن أجل الحفاظ على هذه الصورة ينخرط في أعمال تتحدى سيادة قبرص اليونانية، وتضع ضغوطاً مستمرة على اليونان. وحتى وهو يقوض تراث مصطفى كمال (أتاتورك)، تمكن من تحويل طموحاته الخاصة إلى قضية وطنية.

قد تكون الدولة الوحيدة التي يمكن أن تمارس الضغط على تركيا هي روسيا، حيث يجد إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين نفسيهما في زواج مصلحة.
إن أسباب التوتر ليست بجديدة، إذ تريد كل من اليونان وتركيا تأكيد سيادتهما على الجزر المتنازع عليها الواقعة في بحر إيجه، والمعروفة لدى الأتراك باسم «كارداك»، ولدى اليونان باسم «إيميا».

وتعود جذور النزاع إلى معاهدة لوزان لعام 1923، التي وافقت فيها تركيا على حدودها الحديثة بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وفي المعاهدة، تخلت تركيا عن الجزر إلى إيطاليا، وفي وقت لاحق سلمتها إيطاليا إلى اليونان في معاهدة باريس لعام 1947، مما جعل ملكية هذه الجزر محل نزاع، على الرغم من أنها غير مأهولة وصغيرة. وعام 1996، كادت الدولتان تخوضان حرباً عليها، لكن تم تجنبها بسبب الجهود التي بذلها ريتشارد هولبروك، مساعد وزير الخارجية الأميركية (مادلين أولبرايت) لشؤون أوروبا في ذلك الوقت، ولكن مع الأحداث الأخيرة ظهرت قضية الجزر مجدداً. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وخلال أول زيارة لرئيس تركي إلى اليونان منذ 65 سنة، لمح إردوغان إلى قضية الحدود المثيرة للجدل، فأدى ذلك إلى استياء مضيفيه ومفاجأتهم.

وكانت التوترات الأخيرة قد تصاعدت بعد انقلاب يوليو 2016، وهرب 8 ضباط أتراك إلى اليونان، ورفض الأخيرة تسليمهم. ومنذ ذلك الحين، زادت المواجهات بين القوات البحرية التركية واليونانية من حدة التوتر، ومما زاد الطين بلة أنه في الثاني من الشهر الحالي، ألقى الأتراك القبض على جنديين يونانيين دخلا الأراضي التركية، على ما يبدو بسبب الأحوال الجوية، وما زالا في الحجز التركي. ومع كثرة التقارير عن الغاز في قبرص، أعلنت أنقرة أنها تعتني بمصالح مواطني شمال قبرص. ويقول مصدر غربي إن الوضع بدأ يميل للخطورة، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه التوترات سوف تتبدد في وقت قريب. وبينما لا يرغب أحد في رؤية حريق جديد، يبدو أنه بات من المحتمل حدوث مواجهة مطولة.

عندما أصبح إردوغان رئيساً للوزراء عام 2003، كانت العلاقات مع اليونان في الحضيض بسبب الجزر، ثم إنه عام 1999 اعتقلت تركيا عبد الله أوجلان، زعيم «حزب العمال الكردستاني»، بينما كان يبحث عن ملجأ في مقر إقامة السفير اليوناني في نيروبي - كينيا. هذا سبب فضيحة لليونان، واستياء لتركيا، لكن لعدة سنوات في عهد «حزب العدالة والتنمية» الحاكم جرى تحسن ملحوظ في العلاقات، خصوصاً أن أنقرة سعت إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكإثبات لحسن النوايا، افتتحت اليونان وتركيا خط أنابيب للغاز الطبيعي عام 2007، ومع ذلك لم تحل قضايا مثل إيجاد حل دائم للصراع القبرصي، ووضع الأقليات في كل بلد. وبدلاً من استغلال فرصة زيارته في ديسمبر الماضي لتخفيف حدة التوتر، دعا إردوغان إلى مراجعة معاهدة لوزان التي صدمت مضيفيه الذين شعروا بأن رئيس الدولة التركي يطالب بما لليونان في بحر إيجه. وفي هذا السياق، وصف رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس تركيا بـ«الجار العدواني» في منتدى دافوس، في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ويقول محدثي إن التوترات بين اليونان وتركيا مهمة للغاية، خصوصاً بالنسبة إلى مستقبل «الناتو». فمع تعدي روسيا بشكل متزايد على عتبة أوروبا، ليس فقط في أوكرانيا ولكن أيضاً في شرق البحر المتوسط بتدخلها في سوريا، فإن تصاعد العداوة بين عضوين محورين يخلق مشكلة خطيرة لحلف «الناتو»، ويضيف إلى مخاوف الحلف تزايد الاحتكاك بين تركيا والولايات المتحدة، ويشكل قرار أنقرة شراء نظام الدفاع الجوي المتقدم «S - 400» من روسيا مصدر قلق آخر لـ«الناتو». وبالنظر إلى طموح موسكو الذي طال أمده بتقسيم منظمة حلف شمال الأطلسي، فإن هذه القضايا، علاوة على الخلاف التركي - اليوناني، تخاطر بتسليم الرئيس الروسي نصراً على طبق من ذهب، كما يقول محدثي، ويضيف أنه لا يوجد مخرج واضح من المأزق، خصوصاً بعدما دخلت الآن إلى الإطار التركي - الروسي من العلاقات المحطة النووية «أكيويو»، التي يمكن أن تصبح أكبر مشروع مشترك يمثل العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وتركيا، ومن المقرر أن يتم الاحتفال ببدء بناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا في شهر أبريل (نيسان) المقبل، ويأمل المسؤولون في تثبيته رغم صعوبات التمويل. ويصر المسؤولون الأتراك على أن «أكيويو» ستدخل في الخدمة عام 2023، الذي يصادف الذكرى المئوية للجمهورية التركية، مع العلم بأنه من غير المرجح الالتزام بهذا الجدول الزمني.
ومن المعروف أن الطاقة النووية لها مكان رئيسي في أدوات السياسة الخارجية الروسية الاستراتيجية، وشركة «روساتوم»، المكلفة الرئيسية بالمشروع، تمتلك حالياً عقوداً لبناء 34 محطة طاقة نووية. ويقول محدثي: إن اتساع نطاق مشاركة «روساتوم»، المملوكة للدولة، يمنح روسيا إمكانية الوصول إلى دول لا تستطيع الوصول إليها عبر خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي، وهناك مشاريع لها في إيران ومصر وتركيا، والمفاوضات جارية مع دولة خليجية، ويضيف أنه على الرغم من أن العلاقة بين روسيا وتركيا قد لا تكون تحالفاً حقيقياً، فإن الأمر سيوفر لموسكو منافع جيوسياسية قوية.

العلاقات بين تركيا و«الناتو» تتدهور، ومن المتوقع أن يزور الرئيس بوتين مقاطعة مرسين التركية على البحر المتوسط، لحضور حفل افتتاح «أكيويو» خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وسوف يحمل حضوره أو غيابه معنى مهماً.
ويقول أحد المعلقين السياسيين اليونانيين إنه مع تدهور العلاقات بين روسيا والغرب إلى حد يذكر بالحرب الباردة، وربما أسوأ، ليس هناك احتمال بأن يفيد الضغط الروسي على تركيا. لذلك ستكون تركيا قادرة على التصرف وكأنها في كوكبها المتوازي، تحول الأسود إلى أبيض، وتتصرف كما يحلو لها. وقد بدأت في العراق، ثم سوريا، وهي تحط أنظارها على اليونان. لقد بدأ الشرق الأوسط، رويداً رويداً، يتمدد نحو أوروبا... روسيا سعيدة، وأميركا تردد: يجب ألا نخسر تركيا!

نقلاً عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق النووي الروسي مع تركيا يستهدف الحلف الأطلسي الاتفاق النووي الروسي مع تركيا يستهدف الحلف الأطلسي



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon