توقيت القاهرة المحلي 19:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل تملك مصر قوة ناعمة؟

  مصر اليوم -

هل تملك مصر قوة ناعمة

بقلم - نصر محمد عارف

 القوة الناعمة مفهوم حديث الاستخدام؛ وضعه الاستاذ في جامعة هارفارد جوزيف ناي في كتاب يحمل نفس العنوان؛ يقول في مقدمته مجيبا على سؤال: ماهي القوة الناعمة؟ «إنها القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الارغام، او دفع الأموال. وهي تنشأ من جاذبية ثقافة بلد ما، ومثله السياسية وسياساته. فعندما تبدو سياستنا مشروعة في عيون الآخرين تتسع قوتنا الناعمة». القوة الناعمة هي الجاذبية الثقافية، والجاذبية الثقافية تصنعها عوامل كثيرة أهمها مؤسسات التعليم خصوصاً الجامعات، والآداب والفنون، والصناعات الثقافية مثل الازياء، والحرف الإبداعية…. الخ. القوة الناعمة يصنعها الانسان والمجتمع وتستفيد منها الدولة، وتستخدمها وتوظفها في تحقيق مصالح المجتمع والإنسان. وهنا يثور السؤال المحوري: هل تملك مصر في 2018 قوة ناعمة؟. وبدون خداع للنفس يمكن القول إن مصر تملك آثار القوة الناعمة، ولكنها منذ أكثر من ربع قرن بدأت قوتها الناعمة في التآكل، وتخلت الدولة والمجتمع والإنسان في مصر عن التفكير في القوة الناعمة، لان التفكير ذاته صار ترفاً في عصر الانشغال بالثراء بدون عناء، واللهاث وراء لقمة العيش الهنية منذ لحظة الانفتاح الاستهلاكي العبثي الذي دخل فيه بدون مقدمات شعب عاش ربع قرن على القناعة والكفاف، وانشغل طوال ربع قرن بأحلام واقعية أو خيالية، وشعارات نبيلة أو زائفة. بدأ غروب القوة الناعمة عندما استطاع عنتر الزبال بجاذبيته المالية أن يتزوج خطيبة أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة وحبيبته؛ التي كان يطرب آذانها بمقولات أفلاطون وأرسطو، وإذا بالزبال ينسيها سقراط وتلاميذه أفلاطون وأرسطو ببعض الهدايا المستوردة، لقد دق ناقوس الخطر فيلم انتبهوا أيها السادة 1980، ولكن للأسف لم ينتبه أحد، فالشعب المصري منقسم ما بين عنتر الزبال وأستاذ الفلسفة، حينها بدأت مصر تفقد قوتها الناعمة، وتتخلى عنها طواعية، بل ارتفعت اصوات ترى أن هذه القوة الناعمة عبء اقتصادي لا نريده، وحينها سحبت وزارة الخارجية تحت قيادة الدكتور بطرس غالي 173 بعثة أزهرية من إفريقيا وبعض الدول الأخرى بحجة تقليص النفقات، وبدأ التعامل مع الطلاب الوافدين للجامعات المصرية، سواء من الدول العربية أو الدول الافريقية على اعتبار أنهم مصدر دخل بالعملة الصعبة، وتمت المبالغة في تقدير المصروفات الدراسية، ووضع العراقيل أمامهم، في ذلك التوقيت ودعنا قوتنا الناعمة.

القوة الناعمة المصرية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حققها مفكرون وأدباء وفنانون، ومؤسسات صحفية وثقافية وتعليمية ورثتها مصر من العصور الملكية، وعندما بدأ الإنتاج الجديد لعصر الثورة، كان الثمر دون المستوى، فلا الفن أنتج أم كلثوم أو عبد الوهاب، ولا الشعر أنتج شوقي ولا رامي ولا بيرم، ولا السينما كان فيها يوسف وهبي ولا إسماعيل ياسين، ولم يكن هناك العقاد ولا طه حسين ولا نجيب محفوظ، ولم يعد في مصر الشيخ عبدالحليم محمود ولا شلتوت أو أبو زهرة. ولم تستطع مصر أن تخرج للعالم محمود خليل الحصري جديدا ولا أسرة المنشاوي ولا عبدالصمد…. الخ، تلك هي القوة الناعمة لمصر حين كان لها قوة ناعمة. لعقد أو عقدين من الزمان استطاع الأموات أن يكونوا قوة ناعمة لمصر، فظل العالم يستمتع بصوت المنشاوي، ويطرب لأم كلثوم ويقرأ لنجيب محفوظ، ولكن التاريخ لا يقف لأحد، والعالم متحرك، والدول التي كانت تستهلك الثقافة المصرية، وتعيش عليها، وتمثل لها جاذبية سحرية، بدأت تنتج ثقافة لنفسها، وتنشئ جامعات استطاعت أن تتفوق على الجامعات المصرية، وتخرج مقرئين للقرآن، ومغنين وفنانين وكتاب وصحفيين، وبدأت تنشئ صحفا ومجلات ومحطات تليفزيون…سريعا ما تجاوزت حضور الأموات في مصر التي لم يعد ينشغل الاحياء فيها بالقوة الناعمة أو الجاذبية الثقافية. في ظل هذه المعادلة بدأت مصر تبيع تراثها من القوة الناعمة، فتم بيع التراث السينمائي والموسيقي، وبيعت المخطوطات، وهاجر المثقفون والأساتذة إما وراء لقمة العيش أو بحثا عن فرصة للإبداع، وصارت مصر تتمسح بهذه النماذج المهاجرة، فيحصل المرحوم أحمد زويل على نوبل فتكتشف مصر أنه يحمل جنسيتها، فتحتفي به، وكأنها هي التي صنعت نجاحه، دون أن تدرك أن مثله عشرات الآلاف متناثرين في جامعات العالم، إنه حقيقة واقعية لدى طرف آخر خارج حدود مصر، هو الذي يحدد هل لمصر قوة ناعمة أم لا؟ وذلك من خلال حصول مصر على ما تريد منه طواعية، وبدون إرغام، أو دفع أموال.

والحال هكذا، يجب أن نتوقف عن التوهم أن لدينا قوة ناعمة، لأن الحقيقة أن لمصر أثار قوة ناعمة كانت موجودة في الماضي، أما الآن للأسف فلا يوجد ذلك بنفس القدر الذي يحقق التأثير والنتيجة، لذلك لابد من العمل على إطلاق مشروع وطني للقوة الناعمة، يدرك أدواتها المعاصرة، ووسائلها، ويعمل بصورة حاسمة وسريعة لإعادة إحياء ما يمكن إحياؤه منها، أو إيجاد ما يجب أن يوجد، وأول خطوة هي التخلص من القوة الهادمة في الإعلام والفنون.

نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تملك مصر قوة ناعمة هل تملك مصر قوة ناعمة



GMT 04:10 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

استغِلوا «تغطية الجنازات» لإنقاذ المهنة

GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«عدّّى النهار والمغربية جايَّه»

GMT 03:57 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«مالمو 14» لا يكذب ولا يتجمل..

GMT 02:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:59 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
  مصر اليوم - أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 13:37 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

افتتاح مطعم وجبات خفيفة أثري في إيطاليا

GMT 08:36 2021 الخميس ,14 تشرين الأول / أكتوبر

خبير ديكور يوضح الفرق بين الحجر الطبيعي والحجر الصناعي

GMT 16:31 2021 الأربعاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"AZZI & OSTA" تطلق تشكيلتها الجديدة

GMT 23:47 2021 الأربعاء ,18 آب / أغسطس

"Dior Baby" تكشف عن مجموعتها لموسم خريف شتاء 2021-2022

GMT 23:17 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

​المصري يبحث التعاقد مع حارس مرمى في كانون الثاني

GMT 03:00 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

فتاة توجه نصيحة للمصريين بعد إصابة 12 فردًا من أسرتها بكورونا

GMT 21:54 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات لاستخراج بدل فاقد لبطاقة التموين فى مصر إلكترونيا

GMT 22:12 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

الأسهم الباكستانية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 22:31 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الثلاثاء 28 يوليو

GMT 09:35 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

غاريث بيل يضع شرطًا للرحيل عن ريال مدريد

GMT 10:49 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

تعرف على عمر هالة فاخر في عيد ميلادها

GMT 06:42 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

طريقة إعداد الدجاج على الطريقة التركية

GMT 11:54 2020 الأحد ,17 أيار / مايو

بريشة : علي خليل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon