توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بيتنا والبحر

  مصر اليوم -

بيتنا والبحر

بقلم - خولة مطر

هى السبعينيات والبحرين لا تزال جزيرة فى حضن بحرها الأزرق.. فكل ما وليت وجهك تحتضنك الموجة الساكنة عند حواف الشواطئ المتقاطعة.. والنوارس تتراقص عند أطراف الشاطئ أو فوق ظهر الموج لا تخاف السفن الشراعية التقليدية ولا حتى اليخوت السريعة التى كانت قد بدأت تغزو الموانئ المحدثة.

كان حلم والدتى أن تسكن فى حضن موجة فلم يكن من الوالد سوى أن اشترى قطعة الأرض وبانتشاء من حقق للحبيبة طلبها، أخذنا لملامسة بيتنا القادم.. ذاك السكن بساكنيه، وهناك وقفنا والبحر أمامنا على مد البصر.. لا شيء يجرح بصر الإنسان البحرينى كاختفاء الموجة من أمامه واستبدالها بالأسمنت وعمارات الزجاج الدخيلة على تضاريس مدن هذه الجزيرة وقراها الناعمة جدا حيث زينتها النخيل والزرع الأخضر ورائحة الأرض عند ساعات الندى الأولى من مساءات الجزيرة.
***

راجعنا الخرائط لسكننا الجديد مرارا وراقبنا الأحجار توضع واحدة فوق الأخرى بكثير من الحرص مغمسة بحب كبير.. وككل عمليات البناء، استغرق بناء منزلنا القادم بضعة أشهر ونحن كالحبيب فى انتظار الموعد القادم، نستعجل المهندس والمقاول والبنائين.. والحلم كل يوم أن نستيقظ فى بيتنا الجديد على صوت الموج يلامس جدار سكننا ونجلس فى تلك البلكونة الصغيرة نراقب كيف تراقص العصافير أسطح البحر.
***

ما هى إلا سويعات أو هكذا بدت، وظهرت معالم البيت الجديد تدريجيا وكلما انتهينا من تفصيل من تفاصيله كانت الفرحة تزداد بالقادم.. أسرعت الأسرة لشراء وتجهيز الاحتياجات الأساسية وانتقت كل أثاثه ليلائم أناقة السكن فى حضن الموج.. ولكن ومع الوقت راح البحر يبتعد شيئا فشيئا.. فى البدء بنى الشارع الذى فصلنا عن مستوصف الحى حيث كانت دولة الكويت قد قدمت العديد من الدعم لبناء المستوصفات والمدارس فى البحرين وبعض دول الخليج الأخرى.

حينها قلنا لا يزال البحر قريبا فهو قد أصبح خلف المستوصف، بمعنى أن ما يفصلنا عنه أو هو عنا شارع صغير فى حينا الهادئ بضواحى العاصمة المنامة.. واكتفينا بعدها بأن أية نسمة عابرة كانت تحمل رائحة البحر المنقوعة بملحه.. أو هكذا خيل لنا ربما فالذكريات ليست كلها ما وقع بل كثير من ما كانت تريده الذاكرة أن يخزن ويبقى حتى لا تبعد الصور الجميلة.
***

تدريجيا صرنا نبحث عن البحر والعصافير والنوارس وأصبحت المبانى على مد البصر وكنا أحيانا عندما نصعد إلى سطح منزلنا نستطيع رؤيته من بعيد البعيد فى الأفق وحتى هذا رحل واكتظ البصر بالمبانى والشوارع والعمارات.. بقينا لسنين نترحم على صورة المنزل الساكن فى حضن البحر أو عند حافة الموجة حتى تعبنا أو ربما فضلنا عدم الحديث لتفادى تلك اللمسة من الحزن التى تغلفه.. ضاع الحلم وسرق كل الصور الجميلة التى رسمت حول بيت أم الحصم، كما كان البعض يسميه نسبة إلى اسم الحى الذى سكنه البيت ونحن.
***

قصة بيتنا ليست الوحيدة والنادرة فى تلك الجزيرة بل كل عائلة بحرينية لديها قصة خاصة جدا مع البحر ترويها فى الجلسات الحميمية أو عند تجمع العائلة فى الأعياد والمناسبات.. وقصة الجزيرة التى استيقظت ذات صباح لترى أن بحرها قد اختفى وراحت تبحث عنه كقصص الأساطير القديمة، هو ما عليه البحرين الآن.. يضحك أحدهم عند شرائه لقطعة أرض ليبنى عليها بيته القادم حيث يقال له قد تنتهى من البناء ويكون البحر قد رحل دون عودة..

كان البحر مشاعا وهو ملك لكل بحرينى من صياد السمك فى سترة والمحرق حتى العائلات التى كانت تقضى إجازة نهاية الأسبوع عند شاطئ الزلاق تأتى بأكلها وشربها وتفترش أى أرض ويراقص الأطفال الموج ويختلط صوت تلاطم الموج بحافة الأرض، بأصوات الضحكات التى يكتظ بها الفضاء وفى المساءات الأولى يوزع بقايا الأكل على الطيور الساكنة أو المهاجرة وتبدأ رحلة العودة.
***

ولكن لا شيء يبقى على حاله رغم أن أهل البحرين الطيبين أو كما نسميهم «أهل الأول» يرددون دوما «الله لا يغير علينا» ولكن يبقى هذا مجرد دعاء لم يستجب فقد بيع البحر، وتمت خصخصته، وتحول إلى وسيلة سريعة للربح، وأصبح الفقير أو متوسط الدخل مضطرا للدفع حتى يستطيع أن يستمتع ببحره فى جزيرته.

رحل البحر فتغيرت تلك الجزيرة التى نحب.. رحل البحر فأخذ كثيرا من أحلامنا وهمسات أيامنا وليالينا معه.. رحل البحر فلم يبق سوى الزبَد!!

رحل البحر وبقى بيتنا يصارع العمارات الشاهقة شديدة القبح، ويحمى ذكريات حى أو مدينة أو ربما وطن!!
كاتبة بحرينية

نقلا عن الشروق القاهرية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيتنا والبحر بيتنا والبحر



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon