توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انقلاب ناعم أم انتفاضة شعبية؟

  مصر اليوم -

انقلاب ناعم أم انتفاضة شعبية

عمرو الشوبكي

سيحتار باحثو العلوم السياسية فى وصف ما حدث فى مصر يوم 3 يوليو، عقب إعلان الفريق السيسى عزل الرئيس محمد مرسى، وما إذا كان ما جرى هو انقلاباً ناعماً أم انتفاضة شعبية شارك فيها ملايين المصريين. والمؤكد أن الجيش قد تدخل بصورة أكبر من جماعة ضغط كما جرى فى بعض التجارب، وأقل من انقلاب عسكرى، فى نفس الوقت كان تحركه أسرع مما توقع الكثيرون، فلم ينتظر أن تنهار بحور من الدماء ويسقط آلاف القتلى حتى يتدخل ويزيح مرسى عن الحكم. والمؤكد أن فكرة الانقلاب الناعم تقوم على أن تدخل الجيش لا يكون بغرض الحكم المباشر، وإزاحة من فى الحكم لصالح قادته، مثلما جرى مع الضباط الأحرار فى ثورة يوليو، حين أطاحوا بالنظام الملكى، وأسسوا بقيادة عبدالناصر النظام الجمهورى الجديد، إنما أن يعيد ترتيب المشهد السياسى على أسس جديدة نتيجة تدخله. وربما تكون تركيا ومصر نموذجين للدول التى شهدت هذين النوعين من الانقلابات، فتركيا عرفت انقلاباً خشناً وقاسياً فى أوائل الستينيات، أعدم على إثره رئيس الوزراء عدنان مندرس، بعد أن كانت إحدى تهمه أنه أعاد الأذان باللغة العربية، كما شهدت انقلاباً خشناً آخر فى 1980 فى أعقاب مواجهات أهلية، راح ضحيتها حوالى 40 ألف شخص، وعقب قيام الجيش بانقلابه اعتقل ما يزيد على ربع مليون مواطن وناشط سياسى من كل الاتجاهات. ثم عرفت تركيا الانقلاب الناعم الشهير فى 1997 ضد حكومة الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس الحركة الإسلامية فى تركيا، والذى وصف حزبه (الرفاة) بأنه يمثل الطبعة التركية من جماعة الإخوان المسلمين، وهنا ضغط الجيش من خلال مجلس الدفاع الوطنى على الأحزاب المتحالفة معه للانسحاب من الحكومة، التى كان يقودها أربكان، فسقطت وتم حل حزبه وملاحقته قضائياً. ورغم أن الحكومة التركية لم تواجه بتحركات شعبية واسعة، مثلما جرى فى مصر فى 30 يونيو، دفعت الجيش للتدخل، فإنها دخلت فى خصومة سافرة مع الدولة ومع التيارات العلمانية أخافت قطاعاً واسعاً من المجتمع ومؤسسات الدولة، ففشلت بعد عامين من وجودها فى الحكم (1995: 1997). هنا تدخل الجيش فى مسار العملية السياسية عن طريق قوى وأحزاب سياسية كانت رافضة للحكومة الإسلامية القائمة، دون أن يحكم بشكل مباشر، ومن هنا جاءت تسميته «الانقلاب الناعم». أما مصر فقد عرفت الانقلاب الثورى الخشن والمباشر فى يوليو 52، حين قام تنظيم سياسى، أى الضباط الأحرار، باختراق الجيش، وقام بالثورة وحكم بشكل مباشر عن طريق جمال عبدالناصر. وقد تدخل الجيش فى ذلك الوقت نتيجة فشل النخبة السياسية المدنية، وعقب اختراق التنظيمات السياسية له، وظل يلعب أدواراً خارج مساحته المهنية والاحترافية، وكان ذلك أحد أسباب هزيمة 67، فى حين أن الجيش المهنى المحترم، الذى أعاد عبدالناصر بناءه بعد 67، هو الذى جلب نصر أكتوبر وحمى ثورة 25 يناير، ولم يخترق من التنظيمات والأحزاب السياسية، وحافظ على تماسكه وانضباطه رغم استهدافه من قوى داخلية وخارجية كثيرة. والمؤكد أن بيان الجيش فى 4 يوليو الماضى مثل تدخلاً مباشراً فى العملية السياسية، بل ولعب دوراً حاسماً فى عزل مرسى من الحكم، لكنه بالتأكيد جاء بعد تحرك شعبى غير مسبوق شهدته البلاد يوم 30 يونيو، وأيضا حالة رفض شعبى واسعة لحكم الجماعة. فالمؤكد أن الجيش لم يكن سيتدخل لولا وجود هذا التحرك الشعبى، والأخير لم يكن سينجح دون تدخل حاسم من قبل القوات المسلحة. إن هذا التدخل، اعتبره البعض انقلاباً ناعماً، أو انقلاب «ما بعد حداثى»، وفق التعبير الذى استخدم عقب تدخل الجيش التركى عام 1997 ضد حكومة أربكان، حين تحرك الجيش كجماعة ضغط وأجبر الحكومة المنتخبة على الاستقالة، بعد أن اعتبرها تهدد النظام العلمانى الذى قامت عليه الجمهورية التركية. أما الحالة المصرية فإن تحرك الجيش جاء لأسباب غير عقائدية تتعلق بموقف سياسى علمانى من الرئاسة «الإسلامية»، كما جرى فى تركيا، إنما جاء عقب مظاهرات غير مسبوقة شهدتها مصر يوم 30 يونيو وتجاهلتها مؤسسة الرئاسة ووصفها بعض قادة الجماعة بأنها مظاهرات بلطجة أو بضعة آلاف من المحتجين. المؤكد أن ما جرى فى مصر لم يكن انقلاباً تقليدياً أو خشناً، ولم يكن ثورة مكتملة الأركان، لأنها كانت خروجاً شعبياً رائعاً وعظيماً توافق على خريطة طريق بديلة دون أن يمتلك الأدوات لتنفيذها، وهنا جاء تدخل الجيش أو انقلابه الناعم ليقدم الأداة المطلوبة أو جسر النجاح لهذه الملايين لكى تحقق هدفها وهو التخلص من حكم الإخوان. لقد أهدرت الجماعة الحاكمة الفرصة الثالثة (الأولى فى نهاية العهد الملكى والثانية فى عهد عبدالناصر) لكى تندمج فى الحياة السياسية بشكل طبيعى، وأضاعت على مصر فرصا حقيقية لإنجاز تحول ديمقراطى حين كانت فى الحكم أو فى المعارضة، وتلك سابقة فى تاريخ الحركات السياسية التى عادة ما تتعلم الكثير عند وصولها للسلطة، فى حين أن الجماعة سارت نحو الأسوأ بعد وصولها للسلطة، وأخذت البلد كله نحو الهاوية، فلم يكن هناك بد من هذا المزج بين الانقلاب الناعم والانتفاضة الشعبية. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انقلاب ناعم أم انتفاضة شعبية انقلاب ناعم أم انتفاضة شعبية



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon