توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس بالاحتجاج وحده تبنى المجتمعات

  مصر اليوم -

ليس بالاحتجاج وحده تبنى المجتمعات

مصر اليوم

دروس الاحتجاجات فى تركيا كثيرة، وأهمها أن شكل الاحتجاجات حتى لو تشابه مع بلد أو بلاد أخرى (مصر وتونس مثلا)، فإن نتائجها ليست واحدة، لأن الاحتجاج ضد الظلم أمر إنسانى مطلوب، وثورات الغضب والانتفاضات الشعبية رد فعل طبيعى على الاستبداد، إلا أن لحظة سقوط النظام أو تغيره تصبح كاشفة لحاجة المجتمع لمهارات أخرى، بجانب الاحتجاج، لكى يغير من أوضاعه، ويبنى نفسه على أسس جديدة. إن دروس تجربتى الاحتجاج فى مصر وتركيا لافتة فى هذا الخصوص، فمصر عرفت ثورة عظيمة شابة وسلمية، أسقطت رأس النظام بمساعدة حاسمة من الجيش، لكنها حين انتقلت لبناء البديل وجدت، منذ اللحظة الأولى، أن الثورة نفسها لم تتفق على قائد يعبر عن أحلامها ورؤيتها، ولم تبن حزباً أو جبهة أو ائتلاف أحزاب لتتسلم السلطة من النظام الذى أسقطته، ولو افترضنا أن أياً من هذين الخيارين قد حدث فإنها لن تستطيع فقط بنقاء مناضليها وإخلاصهم أن تبنى البلاد دون تعليم جيد ووضع اقتصادى معقول وخدمات ومواصلات وصحة متوسطة، وتلك كلها أمور تحتاج للوصول إليها نوعية من الكوادر ليست بالضرورة هى الأكثر ثورية أو مشاركة فى الاحتجاجات. صحيح أن المسار الأفضل والأنجح هو أن يتدرب هؤلاء الثوار والمحتجون على امتلاك مهارات جديدة بجانب مهاراتهم فى هدم القديم، حتى لا يكتشفوا كل يوم أنهم يبتعدون عن المساهمة فى إدارة بلدهم، ويعزلوا أنفسهم عن الناس والمجتمع وينغلقوا خلف شعارات خارج الزمن والدنيا (الثورة فوق القانون والدولة، محاكم ثورية هم أول من سيدفع ثمنها... إلخ)، وهى مسألة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. إن أداء النخبة المصرية المعارضة حين أتيحت لهم فرصة التعبير عن آرائهم «على الهواء مباشرة» بدا واضحا أنهم لم يتعودوا على إدارة علاقات بدول، وتعاملوا مع إثيوبيا مثلما تعودوا أن يتعاملوا مع سلطة مبارك، ولم يخرجوا من ثقافة المعارض الذى مهمته أن يكيل الاتهامات للسلطة القائمة، ففعلوا بشكل تلقائى الشىء نفسه مع إثيوبيا و«قالوا ما قال مالك فى الخمر»، واستخدموا لغة كارثية تجاه إثيوبيا، دلت على حجم الفشل والتدهور الذى أصاب النخبة السياسية. والسؤال البديهى الذى كان يجب أن تسأله النخبة المصرية لنفسها شبيه بالذى سأله الأمريكان لأنفسهم بعد 11 سبتمبر ( لماذا يكرهوننا؟)، وسيكون فى حالتنا: هل يكرهوننا؟ ويتم استرجاع كل أخطاء النظام المصرى فى العقود الثلاثة الأخيرة مع أفريقيا، وهل هناك لغة استعلائية تستخدمها النخبة المصرية تجاه القارة السمراء أسوأ من التى يستخدمها بعض من فى الغرب تجاه العرب والمسلمين؟.. ثم كيف يمكن أن تحقق إثيوبيا مصالحها دون أن تضر بمصالحنا، أى أن الموضوع يجب ألا يطرح على أننا ضد أن تحقق إثيوبيا مصالحها وتقدمها، لكن كيف يمكن أن تحقق هذا التقدم دون أن تضر بنا. أما أفلام «أرسين لوبين» والتمويه المخابراتى وسفر وزير الدفاع على الحدود هى كلها أمور لا تحل ولا تربط وغير مفهوم أن تذاع على الهواء، لأنها أمور هامشية لا تقدر الدول الضعيفة مثلنا حتى على القيام بها، والمطلوب هو الإجابة على الأسئلة الكبرى، وعلى جوهر الموضوع. إن بعض شباب الثورة الذى ناضل قبل الثورة ولا ينتمى لثوار بعد الثورة، كان قادراً، لو أحسن تدريبه وتعلمه لمهارات جديدة بجانب الاحتجاج، أن يكون أداؤه أفضل بكثير من بعض من شاهدناهم على الهواء من نخبة الأحزاب المصرية يتحدثون عن مشكلة السد الإثيوبى. إن طريق الاحتجاج المصرى كشف، بعد سقوط مبارك ومجىء الإخوان للحكم، معنى أن تحكم دولة خاوية معدومة الكفاءة وتعليم منهار وأمية تصل للثلث ونخبه مأزومة، وسياسة تختزل فى صوت الاحتجاج، ولا تعرف معنى بناء المؤسسات السياسية والأهلية والنقابية ليس فقط كبديل لحكم الإخوان، إنما أيضاً كضمانة للتحول الديمقراطى. إن تجارب التحول الديمقراطى فى أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية، وإسبانيا فى عهد فرانكو، والبرتغال عقب الانقلاب العسكرى عرفت بدرجات مختلفة وضعاً شبيهاً بمصر فى الستينيات، أى أن هناك نظاماً سلطوياً ودولة قوية بها مؤسسات تعمل وتعليماً جيداً وصحة معقولة وجهازاً إدارياً فيه حد أدنى من الكفاءة، ودولة مليئة بالأسماء اللامعة والكفاءات القادرة على أن تقود البلاد نحو نظام جديد. إن «لا نظام» فى عهد مبارك يمثل استثناء مما عرفته مصر منذ تأسيس محمد على الدولة الوطنية الحديثة، صحيح أن الجميع لم يتركوا لنا إرثاً ديمقراطياً حقيقياً لا فى العهد الملكى، رغم ليبراليته النسبية، ولا فى العهد الناصرى رغم ثوريته، إنما عرفنا عند الجميع مؤسسات دولة تعمل بكفاءة ولو نسبية، وقانوناً يطبق فى كل المجالات إلا ربما المجال السياسى. إن تحديات الثورة على لا نظام تعنى فى الحقيقة التخطيط لبناء نظام ووضع قواعد دستورية وقانونية جديدة وبناء منظومة سياسية وإدارية جديدة، وليس تغيير وجوه النظام القديم بأخرى إخوانية والإبقاء على نفس المنظومة القديمة الخاوية كما هى دون أى تغيير. إن مهمة بناء النظام، كما جرى فى كل تجارب التغيير، غابت عن الكثيرين، فصوت الاحتجاج وفقط، واحتكار السلطة والتمكين فقط، حولا طاقة البناء، التى أطلقتها الثورة، إلى طاقة هدم، وأن الحل أن نعترف بأن الناس ثارت على لا نظام، أى على الفوضى والعشوائية والتسيب والفساد، وأنها فى حاجة إلى بناء نظام ودولة قانون ومؤسسات تواجه كل هذه المظاهر لصالح الشعب، وليس لمصلحة الجماعة الحاكمة. من هنا فإن صوت الاحتجاج وكفى قد يكون خادعاً، ولا يجعل الكثيرين يرون حقيقة الوضع الاجتماعى والسياسى فى البلاد، ويجعل البعض يتسرع ويقول تركيا هى مصر، لأن شكل الاحتجاج بدا، فى بعض المواقف، واحداً، ولو افترضنا أن هذه الاحتجاجات حققت أهدافها واستقال أردوجان، فإن النظام لن ينهار مثل مصر، بل ربما رفيقه فى الحزب نفسه ومنافسه الرئيس عبدالله جول يكون بديلاً له. المنطق نفسه ينسحب على ما جرى فى أوروبا الشرقية، فالاحتجاجات العفوية التى شهدتها بعض التجارب، والمرتبة، التى شهدتها تجارب أخرى، نجحت فى إسقاط النظام القديم، وأسست لنظام جديد جاء على دولة قوية (وقمعية) وتعلم وبحث علمى متقدم (ولو شمولى) وخدمات صحية ومواصلات وصناعة وزراعة متقدمه وأمية منخفضة وأحيانا شبه غائبة. إن فرصة هذا المجتمع فى التحول الديمقراطى أكبر بالتأكيد من مجتمعنا، دون أن يعنى ذلك استحالة حدوثه فى مصر، فالمطلوب هو الوعى بطبيعة المشاكل والتحديات التى نعانى منها، والمهام المطلوب إنجازها حتى لا نظلم أنفسنا، ونتصور أننا أقل من الهند وبلاد كثيرة بنت ديمقراطيتها رغم مشاكلها الأكبر من مصر، وذلك لأنها وصفت مشكلاتها بطريقة صحيحة وواجهتها بجرأة وتواضع.   amr.elshobaki@gmail.com   نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس بالاحتجاج وحده تبنى المجتمعات ليس بالاحتجاج وحده تبنى المجتمعات



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon