توقيت القاهرة المحلي 23:58:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السد العالى

  مصر اليوم -

السد العالى

عمرو الشوبكي

يروى الذين عايشوا الإمام الشافعى أنه مر، ذات يوم، على ناس يقيمون بيوتاً فى الصحراء، ولكنه لاحظ أن غُرف البيوت ضيقة للغاية، فأدهشه ذلك جداً، وراح ينصح البنائين بأن يوسعوا من مساحة كل غرفة، رحمة بالذين سوف يسكنون فيها، فكان أن رد عليه أحدهم وقال: يا إمام.. هذه ليست بيوتاً.. إنها سجون! وإذا كان الذى تطوع بالرد على الإمام الشافعى قد تصور أنه بما قاله، توضيحاً بأنها سجون، وليست بيوتاً، قد أفحم الإمام، وبالتالى فلا مبرر للاعتراض على ضيقها، فإن الشافعى قد ألقمه حجراً، حين رد من جانبه فقال: وسعوها.. ربما تنزلون فيها مساجين، ذات يوم! هذه حكاية لابد أن يتذكرها المرء، وهو يتابع ما يجرى هذه الأيام من جانب جماعة الإخوان تجاه خصومها، بوجه عام، ثم ما جرى مع الرئيس السابق حسنى مبارك بوجه خاص، صباح السبت الماضى، حين بادرت نيابة الأموال العامة بحبسه 15 يوماً، على ذمة التحقيق، فى قضية حصوله على هدايا من مؤسسة الأهرام، لتستبق بذلك قرار محكمة النقض، فى اليوم التالى مباشرة، بإلغاء الحكم الصادر ضده بالمؤبد، وإعادة محاكمته من جديد. وإذا كنت قد قلت، صباح أمس، إن قرار نيابة الأموال العامة جاء وكأن قرار النقض قد تسرب إليها مسبقاً، فإننى بالطبع لم أكن أقصد التسريب بمعنى أن قضاة النقض قد سربوا قرارهم مبكراً، قبل إعلانه على الناس.. لا.. لم يكن هذا ما قصدته مطلقاً، فقضاة النقض رجال عظام لا يجوز أن يتهمهم أحد بشىء من هذا النوع، ولا بغيره، وإنما كان القصد، ولايزال، أن نيابة الأموال العامة، وهى تبادر بحبسه، على ذمة قضية أخرى، كانت تتحسب من صدور براءة فى حقه، أو على الأقل إلغاء الحكم القديم، وهو ما حدث. فإذا أخذنا فى حسابنا أن الظروف العامة المحيطة بالقضية، الصادر فيها حكم المؤبد، كانت منذ بدايتها ترجح إعادة المحاكمة، وأن أسباب الطعن على الحكم، من جانب المحامى القدير فريد الديب، كانت قوية، وأن مذكرة نيابة النقض كانت توجب إعادة القضية إلى نقطة البداية، أدركنا عندئذ أن نيابة الأموال العامة كانت لها بمنطقها، أن تتحسب، وأن تضع هذا كله فى اعتبارها، وأن تصدر قرارها بحبسه 15 يوماً فى ضوء هذا كله! غير أن هذا ليس كل الموضوع، لأن بقيته تقول إن فى قرار الـ15 يوماً تعسفاً فى استخدام القانون، لأن الأقرب للعقل، والمنطق السليم، كان أن يصدر قرار كهذا بعد قرار النقض، لا قبله، خصوصاً أن الرئيس السابق كان سيظل محبوساً فى حالة احتمال إعادة المحاكمة المرجح، وهو ما حصل فعلاً! قرار الحبس 15 يوماً، من حيث معناه، يظل أقرب إلى حكاية محاصرة المحكمة الدستورية العليا، حين كان الذين حاصروها يتحسبون أيضاً من صدور حكم منها، بشأن مجلس الشورى، أو اللجنة التأسيسية التى وضعت الدستور، وهو الحصار الذى جعلنا أضحوكة أمام العالم، ودفع المحكمة الدستورية العليا فى إسبانيا إلى إلغاء قرار تسليم حسين سالم إلينا، لأنها رأت أن «سالم»، الذى يحمل الجنسية الإسبانية، لن يكون آمناً على حياته، ولن يخضع لمحاكمة عادلة فى بلد تجرى فيه محاصرة أعلى المحاكم، على ذلك النحو المخجل! لا نبالغ، إذن، إذا قلنا إن قرار الـ15 يوماً كان فيه من التربص برجل مريض، لم يصدر عليه حكم نهائى بات بعد، أكثر مما فيه من التحسب، وهو الأمر نفسه الذى حدث مع الدستورية العليا أثناء حصارها، وفى الحالتين نريد أن نحيل أبطالهما إلى حكاية الإمام الشافعى، ونلفت أنظارهم إلى أن ما يجرى على غيرهم اليوم يمكن أن يجرى عليهم أنفسهم غداً.. فلا تتعسفوا فى استخدام القانون، ولا تنتهكوا قواعده الراسخة، وأصوله الثابتة، وخذوا من البنائين الذين مر عليهم الإمام الشافعى عبرة حية، وعظة باقية! نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السد العالى السد العالى



GMT 21:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 21:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فلسطين بين دماء الشهداء وأنصار السلام

GMT 21:06 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الشكلانية والتثعبن

GMT 19:52 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في حب العمدة صلاح السعدني

GMT 19:50 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

‎فيتو أمريكى ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon