توقيت القاهرة المحلي 00:45:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا للدستور

  مصر اليوم -

لا للدستور

عمرو الشوبكي

إن أخطر ما فى الدستور الجديد ليس فقط المواد التى سبق أن اعترضنا عليها فى أكثر من مقال سابق نُشر فى «المصرى اليوم» (راجع مقال الأسبوع الماضى «5 أسباب لرفض الدستور»)، إنما أيضاً العقلية التى كتبت هذا الدستور بغرض تفصيله على مقاس تيار بعينه، وفتح الباب أمام سيطرته على مجمل العملية السياسية. والحقيقة أن الدستور الجديد فيه من المشكلات الكثير، خاصة بعد أن أصرت التيارات الإسلامية على عدم الاكتفاء بالتوافق الذى جرى مع التيارات المدنية حول المادة الثانية، التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأصرت على وضع أحكام الشريعة فى أكثر من جزء فى الدستور حتى وصلت إلى المادة 219، التى نصت على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة». وهو نص تفسيرى لا مبرر لوجوده فى أى دستور جديد، مثّل عامل فُرقة أكثر منه عنصر توافق، خاصة بعد أن تحفظت عليه قوى مدنية وإسلامية إصلاحية. وقد خلا الدستور من أى إشارة تتعلق بالتزام مصر بالمواثيق والمعاهدات الدولية فى مجال حقوق الإنسان بسبب الخوف من نوعية محدودة من المعاهدات تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومع قيم المجتمع وهويته الحضارية، وهى حجة لا تبرر عدم الالتزام بهذه المعاهدات التى تركز معظمها على تجريم التعذيب واحترام حقوق الإنسان، ووجود المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع يجعل هناك استحالة بأن توقع مصر على معاهدة فيها إخلال بهذا المبدأ، وأن الخوف من وجود نظام استبدادى يحكم باسم الشريعة أكبر بكثير من خطر وجود نظام مدنى يتجاهل أحكام الشريعة. أما المادة 229 التى نصت فى مسودتها الأولى على التالى: «تبدأ إجراءات انتخابات أول مجلس نواب خلال ستين يوماً من العمل بالدستور، وينعقد فصله التشريعى الأول خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخابات». التصويت: إجماع. هذا هو نص المسودة النهائية التى نشرتها «الأهرام» على موقعها الإلكترونى، ولم يكن بها نص الـ50٪ عمال وفلاحين. وفجأة قرر الإخوان إضافة هذا النص: «ويمثل العمال والفلاحون فى هذا المجلس بنسبة لا تقل عن 50٪ من عدد أعضائه، ويُقصد بالعامل كل من يعمل لدى الغير مقابل أجر أو مرتب، ويُقصد بالفلاح كل من امتهن الزراعة لمدة 10 سنوات على الأقل سابقة على ترشحه لعضوية المجلس، ويبين القانون المعايير والضوابط الواجب توافرها لاعتبار المرشح عاملاً أو فلاحاً». إن ما جرى مع هذه المادة يمثل تماماً ما كان يفعله مبارك ورجاله فى تفصيل القوانين والنصوص الدستورية على مقاسهم، فرغم أن الإخوان والسلفيين كانوا من أشد المعارضين لوجود هذه المادة فقد عادوا، وفى ساعات قليلة، وغيروا رأيهم نتيجة حسابات انتخابية بضم 50٪ من غير الممثلين للعمال والفلاحين إلى القوائم الانتخابية لضمان أغلبية بالتزوير الناعم فى الانتخابات المقبلة. والمفارقة أنه فى الوقت الذى نص فيه الدستور على نسبة 50% عمال وفلاحين فإننا لم نجد فى مصر منذ دستور 1923 هذا الكم المذهل من الاحتجاجات العمالية، فى نفس الوقت الذى فشلت فيه اتحادات العمال الرسمية ومعها نواب الـ«50%» عمال وفلاحين فى أن تكتسب أى مصداقية تذكر لدى جموع العمال، بعد أن حرصت «غير مشكورة» على الابتعاد عن كل ما له علاقة بالدفاع عن مطالبهم وحقوقهم. قد تكون نسبة الـ50% عمال وفلاحين مبررة فى فترة الستينيات، لكنها بعد نصف قرن على تطبيقها صارت معوقة أمام وجود تمثيل حقيقى وليس مصطنعاً للعمال والفلاحين، وأيضا أمام قيام نقابات مستقلة، لأنها لا تجعل هناك جهداً حقيقياً يُبذل لاختيار «عمال بجد» لديهم وعى نقابى وثقافة عامة ورؤية سياسية. إذا أردنا أن نبنى نظاماً ديمقراطياً حقيقياً يعطى فرصاً لممثلين حقيقيين للعمال والفلاحين يعتمدون على جهودهم ومهاراتهم، فلابد من إلغاء نسبة الـ50% عمال وفلاحين التى سهلت من مجىء عمال ليسوا بعمال، وفلاحين ليس لهم علاقة بالفلاحين، وأن تغييرها ليس فقط مطلباً ديمقراطياً، لكنه مطلب له علاقة بالاحترام والاتساق مع النفس ومحاربة التزييف والمتاجرة بهموم البسطاء من الناس. أما المادة 232 فقد نصت على منع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة 10 سنوات من تاريخ العمل بالدستور، ويُقصد بالقيادات كل من كان فى 15 يناير 2011 عضواً بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضواً بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين. وجاءت هذه الحملة فى إطار صراع على السلطة ولا علاقة لها بأى موقف مبدئى مارسه الإخوان وحلفاؤهم ضد من سموهم «الفلول»، وهو موقف كان يمكن قبوله فى حال تبنى الإخوان مساراً واحداً ومستقيماً حول هذه المسألة، والحقيقة كانت عكس ذلك تماما فقد تم توظيف موضوع الفلول تبعاً لمصلحة الإخوان، فإذا كانوا من المعارضين حتى لو كانوا قضاة شرفاء فهم من الفلول وجزء من النظام القديم، وإذا كانوا أعضاء سابقين فى الحزب الوطنى لكنهم من رجال الأعمال ومن حلفاء النظام الجديد فهم تكنوقراط شرفاء ورجال صناعة يخدمون البلد. إن تفصيل بعض مواد الدستور على مقاس مصالح الإخوان بالحديث عن لجنة السياسات فى نص دستورى، والتى كانت فى الحقيقة أمانة ضمن أمانات أخرى 13 «أمانة»، منها مثلاً أمانة اللجنة الاقتصادية، وأمانة التنظيم التى هيمن عليها كثير من رموز العصر الفاسد، فلم يتطرق النص الدستورى لها، لأن هناك تواصلاً مع كثير من رجال الأعمال من أعضاء اللجنة الاقتصادية رغم أن كثيراً منهم كانوا جزءاً أصيلاً من منظومة الفساد والاستبداد التى نهبت الشعب وزوّرت الانتخابات. للأسف الشديد إن المتاجرة بموضوع الفلول بنص دستورى يعكس فشل الإخوان فى تفكيك «منظومة الفلول»، أى المنظومة القديمة، وهذا هو معيار النجاح الحقيقى. إن عملية الإصلاح والتطهير فى التجارب التى أسست لنظم ديمقراطية وليس استبدادية تحت ستار الدين أو الثورة أو الاشتراكية، هى التى حاسبت مرتكبى الجرائم من رجال النظم القديمة ولم تصف الحسابات أو تنتقم من «الأشخاص» بنص دستورى، كما جرى فى مصر، وعملت على وضع منظومة جديدة تماماً تحول دون إعادة إنتاج «فلول» جدد مع النظام الجديد. ما الذى فرق فى الإعلام الحكومى حين تغير الوزير من عضو فى الحزب الوطنى إلى عضو فى جماعة الإخوان، أو حين تغير رؤساء تحرير الصحف من مقربين من الحزب الوطنى إلى مقربين من الإخوان المسلمين، هل تغيرت المنظومة القديمة فى شىء؟ لا شىء، وما هو سر الإصرار على إصدار قانون يتمسك بدور اتحاد العمال القديم رغم أن معظم أعضائه كانوا من الحزب الوطنى، إلا إذا كان الأمر مفيداً لسلطة الإخوان وحكمهم، وعند هذه الحالة ينسون تماما أنهم «فلول». فمنظومة الفلول التى يتمسك بها الإخوان هى الأخطر على مصر من أى أشخاص، حتى لو كانوا فلولاً، وكارثة أن يكرس الدستور الجديد هذا الفهم المبتسر لقضية الفلول. إن الدستور الحالى يكرس فى العديد من مواده معانى ملتوية ومعايير مزدوجة وغير واضحة تماما، مثلما كان يفعل النظام السابق. على المصريين أن يرفضوا دستور اللون الواحد والحزب الواحد الذى يؤسس لنظام غير ديمقراطى قد يكون أسوأ من النظام السابق. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا للدستور لا للدستور



GMT 21:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 21:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فلسطين بين دماء الشهداء وأنصار السلام

GMT 21:06 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الشكلانية والتثعبن

GMT 19:52 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في حب العمدة صلاح السعدني

GMT 19:50 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

‎فيتو أمريكى ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon