توقيت القاهرة المحلي 11:15:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حراس التخلف

  مصر اليوم -

حراس التخلف

بقلم : عمرو الشوبكي

لماذا هناك مجتمعات متخلفة وأخرى متقدمة؟ سؤال احتار العلماء والسياسيون فى الإجابة عنه، وإن تنوعت الآراء والأسباب، فهناك مَن قال إن المشكلة فى الجهل وانعدام الثقافة، وقسَّم الشعوب على ضوء أعراقها ودياناتها، فاعتبر أن هناك الثقافات «البيضاء الراقية»، وهناك الأعراق «السمراء المتخلفة»، وهناك مَن أوصل بوضوح تخلف بعض الشعوب إلى جيناتها الوراثية، فى حين حمّل البعض الآخر الاستعمار مسؤولية التخلف فى كل بلاد العالم الثالث نتيجة الاستغلال السياسى والنهب الاقتصادى، باعتباره هو مَن فرض التخلف على كل الشعوب التى احتلها.

ومع طى صفحة الاستعمار وتحرر شعوب العالم الثالث، انتقلت معادلة تفسير التخلف من الاستعمار إلى ثنائية النظام السياسى والشعب، واختلفت الآراء مرة أخرى، وحمّل البعض الشعب مسؤولية التخلف نتيجة الأمية والفقر والجهل، وحمّل البعض الآخر النظام القائم مسؤولية هذا التخلف باستبداده وسوء سياسته.

والحقيقة أن حراس التخلف خليط من المجتمع والنظم الحاكمة، فهناك من التجمعات والمؤسسات والقوى والأفراد مَن يحرصون كل الحرص على نشر التخلف والجهل، وليسوا كلهم من النظام الحاكم، ولا أجهزته المسيطرة (حتى لو تحملوا المسؤولية الكبرى فى بقاء التخلف)، إنما أيضا هو نتاج أفكار جاهلة وعشوائية سائدة.

حراس التخلف هم مَن أقالوا عقولهم وامتنعوا عن تشغيلها ومسحوها، وأطلقوا العنان لغرائزهم البدائية، وهؤلاء ليسوا بالضرورة ضحايا الفقر والجهل حين اعتبروا الكلام الفارغ نظريات سياسية عظيمة وترديد الخرافات إنقاذا لمصر من المؤامرات الدولية.

فى مصر عرفنا مؤيدين دافعوا عن عبدالناصر وتبنوا فكره الاشتراكى ورددوا كلامه فى العداء للاستعمار والدفاع عن خطاب التحرر الوطنى، وفى عهد السادات عرفنا مؤيدين يدافعون عن السلام مع إسرائيل من أجل تنمية مصر ورخائها، وفى عهد مبارك عرفنا أيضا مؤيدين للاستقرار ومستفيدين من طبقة رجال الأعمال وأعضاء فى الحزب الحاكم، ولم يشعر كثير من المعارضين بالإقصاء والتهميش على مدار أكثر من ربع قرن إلا عقب سيطرة شلة التوريث على مقاليد الأمور.

لقد عرفت مصر على مدار تاريخها مؤيدين ومبررين لأى سلطة، ولكنهم قالوا كلاما طبيعيا فيه مبررات منطقية كانت عادة محل خلاف، على عكس الآن حين وجدنا تراجعا مذهلا فى حجم المؤيدين الطبيعيين، الذين اعتدنا عليهم طوال تاريخ مصر المعاصر، لصالح صعود نماذج مسخ، من أصحاب العقول الممسوحة، تردد كلاما فارغا وأكاذيب مضحكة، حلّت مكان اللغة السياسية التى عرفناها اتفاقا واختلافا.

مازال حراس التخلف يصولون ويجولون على مواقع مشبوهة، ويكررون كلاما فارغا ومُخزِيا لا يقوله عاقل واحد فى أجهزة الحكم، لكن المؤسف أنه مسموح بترويجه مادام المتلقى هو الشعب، فهو «يدوب» عليه يسمع هذا الكلام، والمطلوب أن يغوص فيه ويتعارك من أجله، حتى لو كان مجرد هراء وأكاذيب، أما الأمور الجادة والمعلومات الجادة (سرية على الشعب طبعا) فهى تُترك لأهل الحكم يديرونها بمعرفتهم.

هل يمكن أن نقبل أن يردد البعض الرواية البلهاء بأننا أسرنا قائد الأسطول السادس الأمريكى، وينسى أو يتناسى أن بطولات الجيش المصرى فى حرب الاستنزاف وانتصار 73 وغيرهما لا تحتاج إلى هذا الكلام الفارغ، هل من المنطق أن تغزو عقول البعض رواية اكتشاف رجال القوات المسلحة 600 مليار دولار فى جبل الحلال بسيناء، وعن رجال المخابرات البريطانية الذين أُلقى القبض عليهم هناك، وكيف جاء وزير خارجيتهم للإفراج عنهم، وكذلك فعلت المستشارة الألمانية «ميركل»، أثناء زيارتها مصر، منذ عدة أشهر؟!

كما ردد حراس التخلف رواية أخرى تقول- عشية زيارة الرئيس السيسى الأخيرة للمملكة العربية السعودية- إن هناك صفقة إنقاذ حكم الملك سلمان فى السعودية، بعد اكتشاف الأجهزة المصرية مؤامرة دنيئة لقلب نظام الحكم هناك، وإن السعودية- لترضية مصر- قررت ضخ استثمارات بقيمة 27 مليار دولار، ومنحة 10 مليارات دولار، وبناء قاعدة عسكرية مصرية فى جزيرة الفرسان السعودية جنوب البحر الأحمر لحماية مدخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب!!!.

هل يُعقل أن نجد هوجة فجائية على مواقع تتمسح فى الجيش والرئيس تتحدث عن كذبة أخرى تقول- فى عز التنسيق الأمنى بين مصر وحماس- إن الطائرات المصرية تضرب عمق غزة، وهو أمر لم يفعله إلا جيش آخر دولة احتلال فى العالم، أى إسرائيل، هل يعى هؤلاء حجم الجهل والتخلف ومشاعر الكراهية التى ينشرونها حين يضعون جيشا كبيرا مثل الجيش المصرى له تقاليده العريقة فى وضع المعتدى على الشعب الفلسطينى، الذى يعانى من المحتل الإسرائيلى والإرهاب التكفيرى، وهل بعد ذلك سيكون مطلوبا دك حى قاهرى أو صعيدى (أو جزيرة)، لأنه خرج منه إرهابى أو اثنان، وهو نفس منطق نظم الخراب التى دمرت أوطانا وشعوبا فى العالم العربى؟!

حراس التخلف فى بعض الأحيان موجَّهون، وفى أحيان أخرى مخيَّرون، إلا أنهم فى كل الأحوال مسؤولون عن بث الخرافة فى المجتمع وتعميق الكراهية، وبدلا من الحديث عن انتصارات كثيرة حقيقية فى تاريخنا المعاصر، نتحدث عن أوهام وأكاذيب غاب عنها أى كلام جاد ونقاش عام شفاف يمثل أحد شروط التقدم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حراس التخلف حراس التخلف



GMT 03:25 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

أصدقاء فلسطين... وأعداؤها!؟

GMT 02:39 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«بوتين» وولاية خامسة

GMT 02:29 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

من يضمن أمن غزة؟

GMT 11:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 10:57 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

حرية الصحافة!

النجمات يستعرضن أناقتهن في شهر رمضان بالعبايات الراقية

القاهرة- مصر اليوم

GMT 10:05 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

غويتريش يُحذر من شبح مجاعة وشيكة يطوق قطاع غزة
  مصر اليوم - غويتريش يُحذر من شبح مجاعة وشيكة يطوق قطاع غزة

GMT 02:13 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

طريقة عمل سلطة الجرجير

GMT 18:31 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

نظام غذائي للوقاية من أمراض القلب

GMT 05:24 2021 الخميس ,11 شباط / فبراير

مجموعة من أجمل تصاميم بدلات كوتور ربيع 2021

GMT 03:35 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

ميدو ينهي الجدل حول أزمة محمد الشناوي والاتحاد المصري

GMT 08:40 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ماغي فرح 2021 أقل سوءًا وهذه الأبراج اكثرحظًا

GMT 19:01 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

أرسنال يُقرر قضاء ليلة إضافية في النرويج بسبب الضباب

GMT 02:41 2020 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رد ساخر من علاء مبارك على صورة محمد رمضان والمطرب الإسرائيلي

GMT 11:10 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

خبيرة أسواق تعلن "سحب قاتمة تخيم على سوق النفط من جديد"

GMT 08:28 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 5 -10- 2020 والقنوات الناقلة

GMT 23:45 2020 الجمعة ,22 أيار / مايو

البورصة التونسية تٌغلق على ارتفاع

GMT 00:42 2020 الأربعاء ,13 أيار / مايو

دول عربية تعلن الحظر الشامل خلال عيد الفطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon