توقيت القاهرة المحلي 11:02:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من نجح.. مصر أم تونس؟

  مصر اليوم -

من نجح مصر أم تونس

معتز بالله عبد الفتاح

سؤال يفرض نفسه على المتابع للشأن العربى. وكمعظم القضايا المركبة المسألة تحتاج إلى معيار للحكم يأخذ فى اعتباره تعدد الأبعاد والاختلافات الجوهرية بين دولة بحجم مصر وأخرى عدد سكانها نصف عدد سكان عاصمة الأولى. كما أن الدور التاريخى للجيش المصرى وبروزه دائما على مسرح الأحداث حين يكون هناك تهديد للأمن القومى يوفر فرصا ويضع تحديات ليست موجودة فى حالة أشقائنا فى تونس حيث الحدود نسبيا هادئة والتهديدات الخارجية العسكرية تكاد تكون مفهوما غير موجود فى القاموس السياسى التونسى. تونس نجحت مرحليا فيما كان يسميه دارسو العلوم السياسية فى التسعينات «دمج المحافظين دينيا فى العملية السياسية». وكانت الفكرة الأساسية لهذا الدمج قائمة على ثلاثة افتراضات: الافتراض الأول أن الدولة التسلطية اتخذت من المحافظين دينيا فزاعة ضد كل من يطالبها بالتحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان. الافتراض الثانى أن الدولة التسلطية العربية وهى تتحول ديمقراطيا ستفرض شروطها على الجميع حتى يقبلوا بالمشاركة فى الحياة السياسية وفقا لمعايير الدولة الوطنية. بعبارة أخرى: «تمصير الإخوان» وليس «أخونة مصر»، أى يكون الإخوان جزءا من مصر وليست مصر جزءا من الإخوان. ولكن المعضلة أن الدولة فى أعقاب ثورات 2011 واجهت تحديا وجوديا وأصبحت أضعف من بعض مكوناتها، لاسيما المكون المحافظ دينيا مدعوما ببعض من أصابتهم المراهقة الثورية فرأوا أن الحل هو تدمير مؤسسات الدولة على اعتبار أن الشرطة شرطة مبارك والجيش جيش مبارك والشعب شعب مبارك ومصر مصر مبارك ونبدأ من أول وجديد. الافتراض الثالث هو التأثير الاعتدالى للديمقراطية، وهى نظرية انطبقت على كثير من خلق الله، وكان الأمل أن تنطبق على المتشددين فى مصر بمن فيهم المتشددون دينيا وسياسيا. والفكرة لها جذور منذ أن قال بها «جيوفانى سارتورى» (SARTORI)، أحد منظرى الديمقراطية. وخلاصتها أن المتشددين حين ينخرطون فى العلمية الديمقراطية فى ظل قواعد دستورية وسياسية ملزمة لهم فإنهم يضطرون لاحترامها. وهذا ما انطبق على أحزاب متطرفة مثل بهارتيا جاناتا الهندى، الأحزاب الشيوعية التى تحولت إلى أحزاب اشتراكية وأحزاب يسار الوسط فى أمريكا اللاتينية، الحركات الانفصالية التى قبلت بآليات تقاسم السلطة فى الكثير من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وصل الإخوان إلى السلطة فى مصر، وكانت أمامهم فرصة ذهبية لإثبات صحة كلام «سارتورى» والأهم لإثبات أنهم جديرون بأن يكونوا جزءا من حياة ديمقراطية سليمة ولكنهم، كما خاطبتهم مباشرة: «تلعبون بالنار وأنتم لستم ماهرين» وفى النهاية كانوا مثل من ظل يطالب بأن يقود السيارة لمدة 80 عاما ولكنه نسى أن يتعلم القيادة. ورغما عن أنهم أبدوا نضجا قصير المدى فى البداية حين رفضوا ترشيح رئيس للجمهورية وأعلنوا عن منافسة محدودة فى مجلس الشعب، ولكن غلبت عليهم شقوتهم، وأضاعوا الثورة وأضاعوا الديمقراطية وأضاعوا جماعتهم وكادوا أن يضيعوا المجتمع والدولة. كان إخوان تونس أكثر مهارة من البداية فى فهم طبيعة التحديات وفى الالتزام بهذا الفهم، فقبلوا أن يكونوا جزءا من «ترويكا» حاكمة وأن يكون الرئيس من اليسار العلمانى، والتزموا فى تونس بما وعد به إخوان مصر المصريين فى البداية. ورغم تشددهم فى بعض المراحل، فإنهم تعلموا بسرعة من غباء وغطرسة نظرائهم فى مصر، فقدموا التنازلات الملائمة من وجهة نظرهم حتى لا يثور ضدهم بقية الشعب. التيار المحافظ دينيا كسب فى تونس، لكن لست متأكدا من أن تونس كسبت. ذلك أن الحالة المصرية تعطى مثالا للحجر على رئيس إخوانى وبتر جماعة أصبحت مكروهة شعبيا، ولكن تونس تعطى مثالا فى تدجين هذه الجماعة. هل هذه الجماعة ستكون مثل الشبل الصغير الذى حين يكبر سيلتهم بقية المجتمع؟ أم هم بالفعل وعوا أنهم جزء وليسوا مساوين لكل المجتمع التونسى؟ حالة مصر أكثر دموية، مع الأسف، ولكنها مثل «خلع ضرس من غير بنج». الألم شديد وسيزداد دموية كلما اقتربنا من استحقاقات انتخابية وسياسية تتقطع فيها الروابط العصبية بين الجماعة والمجتمع السياسى فى مصر. فى حالة مصر، هى عملية جراحية مؤلمة جدا، ولست متأكدا من مهارة من يجريها، لكنها ثمن قرر المتطرفون أن ندفعه جميعا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من نجح مصر أم تونس من نجح مصر أم تونس



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon