توقيت القاهرة المحلي 04:09:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حتى لا يتوه الإنسان فى غياهب الأحزان

  مصر اليوم -

حتى لا يتوه الإنسان فى غياهب الأحزان

معتز بالله عبد الفتاح

رأيت فيما يرى النائم خطيباً يصعد منبراً ويخرج من فمه كلامٌ تذكرت بعضه فسطرته فى كلمات أنقلها إليكم. عباد الله، إن المسلمين مأمورون بتلاوة القرآن وتدبُّر آياته. وقد جئت إليكم اليوم بخمس آيات عظيمة من كتاب ربنا عز وجل؛ فهى رسائل من رب العالمين إلى العالمين. جعلنى الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصرفنى الله وإياكم عمن قال فيهم: «إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُون». الآية الأولى هى قول الحق سبحانه: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِى عِلْماً» (طه، 114)، وهى آية تبدو كمحصلة لمجموعة من الآيات الأخرى والتى تأخذ شكل نظرية مترابطة، تحمّلنا مسئولية البحث عن العلم والاشتغال به على النحو التالى: «وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَّا قَلِيلاً»، «وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيم»، «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»، «يَرْفَع الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات»، «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِى عِلْمَاً». ولتطبيق هذه المعادلة القرآنية على أرض الواقع يأتى قول الرسول الكريم: «طلبُ العلم فريضة» وقوله: «لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، حتى إذا قال علمت فقد جهل». الآية الثانية تقول: «رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» (الممتحنة، 5) وهو دعاء يحمل فى طياته المعنى التالى: أى يا ربِّ لا تجعلنا دليلاً يتخذه الكافرون على صدق كفرهم وكذب إيماننا فنكون سبباً فى تحوُّل الناس عن دينك، لأنهم ما عرفوه إلا لأنهم عرفونا، فبدلاً من أن نكون هُداة مهتدين نكون ضالين مضلين. تذكرت هذه الآية عندما قرأت كلام الشيخ محمد الغزالى: «إن المسلمين جدار سميك بين العالمين ودينهم». أى إن المسلمين، بسوء سلوكهم يقفون حائلاً بين تعرُّف غير المسلمين على صحيح الإسلام. تذكرت هذه الآية وأنا أجمع المادة العلمية لكتابى عن المسلمين والديمقراطية لتكون المفاجأة أن ثمانين بالمائة من المسجونين السياسيين فى العالم (أى بسبب آرائهم السياسية) مسلمون، وأن الدول العربية تحديداً مسئولة عن أكثر من خمسين بالمائة من النظم غير الديمقراطية فى العالم. فلو أراد أحد ساكنى المريخ أن يتخير ديناً من ديانات الأرض بالنظر فقط إلى أحوال أتباع كل دين، فأغلب الظن أنه لن يختار الإسلام. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا. الآية الثالثة «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل، 90)، فى هذه الآية العظيمة يبدأ الله أمره لنا بالعدل، وكأنه الحد الأدنى لعلاقة الإنسان بالآخرين، ويذكر فى عقبه الإحسان، وهو تعجيل الخير، وهى منزلة أعظم ولا شك. فالعدل يعنى القسط والموازنة، وعليه «وَإِنْ عَاقَبْتُم فَعَاقِبُوا بِمِثْل مَا عُوقِبْتُم بِه»، لكن للإحسان نصيب.. «وَلَئِنْ صَبَرتُم لَهُو خَيْرٌ للصَّابِرِين»، فمن العدل قوله تعالى: «وَجَزَاءُ سَيِّئةٍ سَيِّئةٌ مِثْلُهَا»، ولكن من الإحسان «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله»، ومن العدل «وَالجُرُوحُ قِصَاص»، ومن الإحسان «فَمَنْ تَصدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه». فما دون العدل ظلم وجور وكذب وخيانة وفحشاء ومنكر وبغى، وكل هذا ليس من الإسلام، أما ما فوق العدل من إحسان وكرم وتفضُّل وعفو وصفح وبرٍّ بالآخرين فهو من كمال الإسلام بل من الإيمان الذى وقر فى القلب وصدَّقه العمل. وعليه حين قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار فقد قاتلهم بالعدل، وحين عفا عنهم فى فتح مكة فقد عفا عنهم بالإحسان وما كان ليظلم أو يبغى. وكذلك حين رفض ابن الخطاب أن يعطى لبعض ضعاف النفوس من الأعراب سهم المؤلفة قلوبهم فكان يتصرف بالعدل، وحين أمر لليهودى العجوز من بيت المال، فكان من العدل لأنه ليس من العدل أن يأخذ منه الجزية فى شبابه ويحرمه فى شيخوخته، وكذا حين رفض أن يصلى فى كنيسة القيامة حتى لا يتخذها المسلمون من بعده مسجداً. وحين احترم المسلمون حقوق الآخرين فى بناء دور العبادة، فكان من العدل لأنه لا إكراه فى الدين، وحين تبادلوا معهم التهانى فى أعيادهم فكان من الإحسان، وهذا هو جوهر قول الحق سبحانه: «لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة، 8). فالله يقول إن الذين يعيشون معنا ولم يقتلونا أو يخرجونا من ديارنا لهم أن نتعامل معهم بالبر (وهو من مراتب الإحسان) وكأننا نعجل لهم الخير مثلما هو حالنا مع برِّ الوالدين، وإن لم نكن بهذا القدر من الإحسان، فعلى الأقل فلنكن عادلين ومن العدل أن يكون لهم حقوق كما لنا حقوق غير منقوصة. اللهم اجعلنا من أهل العدل والإحسان. الآية الرابعة تقول: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً» (الكهف، 28). والآية ترسم منهجاً يضعه الخالق لرسوله ولعباده من بعده بأن فرَّق بين منهجين فى الحياة وفريقين يسيران على نهجهما: الأول هو منهج من جعل نفسه وحياته ومماته لله يدعوه ويذكره ويعمل له ويخشاه ليلاً ونهاراً لأنه يريد وجهه سبحانه ولا شىء سواه، لكن المهم ألا تذهب عيناك بعيداً عن هؤلاء لأنهم عادة قليلون ومتع الحياة الفانية غالباً ليست عندهم وإنما عند من أساء وأخطأ وتعمد الخطأ حتى أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه فأصبح أمره فرطاً، وهم أصحاب المنهج الثانى. هى آية تحتاج الكثير من التأمل كى نحسن فهمها ونعمل بهديها. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. الآية الخامسة هى قول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (النور، 19) وهذه الآية هى جوهر الحدود فى الإسلام. فمن أراد أن يمارس الرذيلة بعيداً عن الناس، فعقوبته الأليمة عند ربه، أما من ينشر الرذيلة فى المجتمع طمعاً فى زخرفها فإنه يضلل الناس عن دينهم، ولا بد أن يعاقَب فى الدنيا وفى الآخرة؛ وعقاب الدنيا هو الحدود التى يقوم على تنفيذها ولىُّ أمر المسلمين بشرط أن يطبقها على نفسه والمقربين منه قبل أن يوقعها على من عداهم. هذه الآيات الكريمة وغيرها تؤكد وظيفة المسلم الأسمى فى هذا الكون وهى أن يكون سيداً للكون عبداً لله، وياله من دين لو كان له رجال. ويمكن أن نكون جميعاً من رجالات هذا الدين بأن نتخلَّق بأخلاقه، ونتسلح بالمعارف الدينية والدنيوية التى لا ينصلح حالنا إلا بها، وأن نكتسب المهارات اللازمة كى نكون أنداداً لعالم تفوق علينا، وأن نملك الشجاعة أن نقول كلمة الحق عند السلطان الجائر بنفس جرأتنا عند مخاطبة الضعيف الخائر. وكما قال الرسول الكريم: «اطلبوا حوائجكم بعزة الأنفس، فإن الأمور تجرى بمقادير». اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا يتوه الإنسان فى غياهب الأحزان حتى لا يتوه الإنسان فى غياهب الأحزان



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon