توقيت القاهرة المحلي 04:56:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلنهيّئ أنفسنا لإحباط عظيم

  مصر اليوم -

فلنهيّئ أنفسنا لإحباط عظيم

معتز بالله عبد الفتاح

هذا العنوان ليس لى، وإنما هو عنوان مقال الأستاذ حازم صاغيّة فى جريدة «الحياة» بتاريخ الخامس من نوفمبر. المقال متشائم مما سيئول إليه حال الربيع العربى، ويربطه بإحباطات العرب الكثيرة فى آخر مائة عام. يقوم الأستاذ «صاغية»: «بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967، استولى الإحباط على الشعوب العربيّة ونُخبها على نحو تجاوز ما حصل بعد 1948. الإحباط حلّ فى كلّ مكان، فى الكلام اليومى كما فى الأدب والمسرح، وفى التحليل الفكرى كما فى الصحافة والتليفزيون. العرب غدوا محبطين وكفى. ذاك أنّ الهزيمة، التى أطاحت بثلاثة بلدان وثلاثة جيوش فى ستّة أيّام، كانت مهولة ومطنطنة، زاد فى ضخامتها وفى حدّة وقعها أنّ المهزوم الأكبر لم يكن سوى جمال عبدالناصر، معبود العرب، الذى لم يهيّئهم إلا لتوقّع الوحدة الوشيكة والنصر المؤزّر على الدولة العبريّة. ثمّ إنّ الذين سبق أن أُحبطوا بنكبة 1948 عوّلوا على الأنظمة العسكريّة ردّاً على النكبة، فإذا بالنكسة، بعد أقلّ من عقدين، تجدّد إحباطهم وتجعله يأساً. كان ذاك هو الإحباط القومى، أو الإحباط بالقوميّة. بعده أكّد الفلسطينيّون فلسطينيّتهم، لا عروبتهم، طريقاً إلى (تحرير فلسطين)، وانفصل أنور السادات بمصر عن الرواية العروبيّة لعبدالناصر. أمّا حافظ الأسد فقلّص الإنشاء الوحدوى للبعث إلى مجرّد دفاع عن السلطة السوريّة وبقائها، ومثله فعل صدّام حسين فى العراق. اليوم يعيش العرب الإحباط الديمقراطى، أو الإحباط بالديمقراطيّة. عسف الأنظمة العسكريّة وصعود الإسلام السياسى نجحا فى استيلاد أسوأ ما فى تراكيبنا الأهليّة والثقافيّة، وفى تعميمها: فى مصر يحصل اليوم اعتذار عسكرى - شعبى عن ثورة يناير. فى سوريا تبتلع الحربُ الأهليّة والأزمةُ الإقليميّة - الدوليّة الثورة. فى ليبيا تبدو الدولة والثورة خطّين متوازيين إلى ما لا نهاية. ربّما كانت تونس وحدها لا تزال تلوّح لنا ببصيص أمل، لكنّه لا يزال بصيصاً مهدّداً. وحتّى لو صار أملاً فإنّ موقع تونس ودورها يحدّان من اكتساب الحدث بُعداً عربيّاً شافياً. لقد نجح الإسلاميّون والعسكر، مدعومين بأسوأ ما فى تجربتنا التاريخيّة، فى الاقتصاص من ثورات «الربيع». وأغلب الظنّ أنّنا سنكون وجهاً لوجه أمام المزيد من الوعى التآمرى المتفشّى، وربّما أمام مزيد من الراديكاليّات العدميّة التى تمعن فى تفتيت مجتمعات لا يعوزها التفتّت، ومعها محاولات بونابرتيّة، مأساويّة أو هزليّة، لبيعنا الخلاص العسكرى. والحال أنّ الإحباط السابق، القومى، كان يمكن أن يكون صحّيّاً، أى أن يقرّب العرب من واقع أوطانهم ودولهم، ومن إدراك الفارق بين القدرات والشعارات، ومن أخذ العالم فى الحسبان لدى احتساب موازين القوى. وهذا ما لم يحدث إلا جزئيّاً جدّاً وبطرق شديدة الالتواء، وكان من نتائج عدم حدوثه، الذى استثمره الاستبداد والإيمان النضالى، أن تراكمت طبقات فوق طبقات من الأزمات والتناقضات التى بات على (الربيع العربى) أن يواجهها. أمّا الإحباط المقبل فأخطر. فهو لا يكتفى بإعلان انهيار كلّ شىء، أنظمةً وثوراتٍ، علمانيّةً وإسلاماً سياسيّاً، بل يعلن أيضاً أنّ ما من علاج فى الأفق المنظور، وأنّ العلاج النظرى المفترض تواجهه حساسيّة تتحكّم بالجسد وتحول دون تلقّيه ذاك العلاج. وقد تتسابق الأفكار والمجتمعات فى العودة إلى حالة صفريّة: فتنهدم الأولى إذ تستحوذ عليها لا أدريّة شاملة وشالّة، وتنهدم الثانية لصالح مكوّنات خام لا يتمّ بلوغها إلا بدم كثير. الواقع لا يُحتمل، والتغيير مسدود، أمّا الذين يقولون (الآتى أعظم) فلا يكذبون». انتهت مقالة الأستاذ «صاغية» التى لم أستطع أن أحذف منها جملة واحدة حتى يكتمل المعنى الذى يريده. ومع ذلك أجد نفسى مختلفا معه على ثلاثة محاور. العرب اليوم يواجهون ما واجهته أوروبا فى القرن السابع عشر تحديدا من إعادة اكتشاف هويتهم على أسس جديدة، ويختبرون الكثير من المقولات الأيديولوجية التى ملأت البيئة الثقافية والسياسية فى القرن التاسع عشر. هى عملية إجبارية ومقدمة ضرورية لبناء أى مجتمع جديد على أنقاض مجتمع فقد قدرته على الاستمرار. الجيل الجديد مختلف عن الأجيال القديمة، ليس لأنه أفضل، ولكنه لأنه جيل متمرد وجامح. وهذا فى حد ذاته ليس معناه أننا لن نواجه إحباطا عظيما، ولكن معناه أن بعد هذا الإحباط العظيم قد يكون هناك إنجاز عظيم. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلنهيّئ أنفسنا لإحباط عظيم فلنهيّئ أنفسنا لإحباط عظيم



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 02:58 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
  مصر اليوم - فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon