توقيت القاهرة المحلي 09:53:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاكمة الدكتور مرسى

  مصر اليوم -

محاكمة الدكتور مرسى

معتز بالله عبد الفتاح

الرؤساء السابقون الذين لا يكملون مدتهم بطريقة دستورية عادة ما يكونون عبئاً على نظام الحكم التالى. وتزداد الصعوبة حين يكون أولئك الذين تحدث الثورة ضدهم أو الانقلاب عليهم هم أصلاً قد قاموا بـ«انقلاب رئاسى» أو «انقلاب ملكى» وهما ترجمتان غير دقيقتين لمصطلح فى السياسة اسمه: «self-coup» أو «auto-coup». والمقصود به حين يسعى الحاكم، الذى عادة ما يكون قد وصل للسلطة بطريقة قانونية ودستورية، لأن يوسع من نطاق صلاحياته على حساب القانون والدستور، بما فى ذلك التعسف فى تفسير بعض المواد الدستورية والقانونية أو إصدارات أوامر رئاسية محصنة ضد درجات التقاضى المختلفة أو إصدار إعلانات دستورية تعطيه امتيازات تنال من استقلال المؤسسات الأخرى، لا سيما التشريعية والقضائية. وهذا عادة ما ينتج ظاهرة «الديكتاتور المنتخب ديمقراطياً» والتى تجسدت فى أوضح صورها فى «هتلر» الذى وصل إلى السلطة بالديمقراطية ثم قضى تماماً عليها. ظاهرة الانقلاب الملكى أو الرئاسى تجعل الأمر معضلاً، لأن من يقوم به يخلق حالة من الانقسام الشديد فى الشارع؛ فهو من ناحية وصل إلى السلطة بشرعية معينة ولكنه استبد وأفسد ففقد شعبيته ثم جزءاً من شرعيته فينقسم الناس بشأنه، عكس من وصل إلى السلطة أصلاً بلا شرعية دستورية أو ديمقراطية. وقد عُنى الفقه الرومانى من أكثر من ألفى سنة بهذه الظاهرة حين تحولت ظاهرة الحاكم المطلق فى أوقات الطوارئ والأزمات إلى ظاهرة متكررة، حتى أعطى يوليوس قيصر لنفسه، وبموافقة أعضاء مجلس الشيوخ، لقب «dictator perpetuo» أى «ديكتاتور إلى الأبد». وظلت ظاهرة الانقلاب الملكى أو الرئاسى معنا فى كل المجتمعات قبل أن تتحول ديمقراطياً، بمن فى ذلك الملك جوستاف الثالث فى السويد 1772 الذى ألغى كل المؤسسات تحت زعم إصلاحها، حتى أصبح هو الفاعل السياسى الوحيد. وفى العصر الحديث كانت هناك نماذج مثل «سوكارنوا» فى إندونيسيا، و«محمد الخامس» فى المغرب، و«بارك هى» فى كوريا الجنوبية، و«أنديرا غاندى» فى الهند، و«ألبرتو فوجيمورى» فى بيرو، و«بيرفيز مشرف» بعد أن انتخب فى باكستان، و«محمد مرسى» فى مصر. ولنأخذ فى اعتبارنا أن هذا الكلام لا ينطبق على أشخاص مثل «القذافى» أو صدام حسين أصلاً، حيث إنهما من الأصل حاكمان لم ينتخبا ديمقراطياً ولم يصلا إلى السلطة بالطرق الشرعية المستقرة داخل الدولة، مثل توريث السلطة فى النظم الملكية. وإذا لم تحدث وفاة طبيعية للحاكم أو تم اغتياله أثناء الثورة أو الانقلاب عليه تظل معضلة هناك عادة أربعة بدائل تاريخية، ولكل مجتمع أن يبتكر غيرها إن شاء: أولاً: إعدام الرئيس أو وضعه تحت الإقامة الجبرية لحين الموت بعد محاكمات شكلية مثلما فعل الثائرون مع «تشاوشيسكو» فى رومانيا أو فعل الانقلابيون مع «اليندى» فى تشيلى أو «مصدق» فى إيران. ثانياً: رحيل الرئيس إلى خارج مصر مثلما حدث مع الملك فاروق فى مصر، وشاه إيران محمد على بهلوى، و«بن على» فى تونس، و«سياد برى» فى الصومال. ثالثاً: المصالحة معه وعفا الله عما سلف: وهذا ما فعله الثائرون مع «بينوشيه» فى شيلى؛ حيث أعطوا له منصب «عضو مجلس الشيوخ للأبد» حتى تكون معه حصانة للأبد أو مثلما فعلوا مع «دى كلارك» فى جنوب أفريقيا حين عينوه نائباً أول للرئيس نيلسون مانديلا. رابعاً: المحاكمة الجنائية: وفيها يحاكم المسئول عن انحرافه بالسلطة أو تسعفه فى استخدامها متمثلاً ذلك فى دم الشهداء وانتهاكات حقوق الإنسان وعن أى فساد أو إهدار مال عام. ووضع بيرفيز مشرف فى باكستان قيد الإقامة الجبرية بناء على طلب المحكمة لحين محاكمته مثال مباشر على التعامل مع الرؤساء بمنطق محاكمتهم بعد خروجهم من السجن. وهو ما حدث كذلك مع جوليا تيموشينكو، رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة، رغماً عن وجود شبهة تحريك الدعاوى القضائية لأغراض سياسية. ما أتمناه، ويتمناه كل محب لهذا البلد أن نضع دائماً هذه القاعدة: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً» صدق الله العظيم. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة الدكتور مرسى محاكمة الدكتور مرسى



GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon