توقيت القاهرة المحلي 18:49:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إطاعة السلطة وعقلية التسلط

  مصر اليوم -

إطاعة السلطة وعقلية التسلط

معتز بالله عبد الفتاح

أتذكر حوارا دار بينى وبين أحد شباب الثورة فى منتصف 2011 عن علاقة شباب الثورة النشطين بوزارة الداخلية وخوفى عليهم من أنهم يعرضون أنفسهم لمخاطر شديدة وبنتائج محدودة لا تتفق مع كم التضحيات. وكان ذلك مباشرة بعد حادثة مسرح البالون، وقد كان حظى أننى نزلت لمتابعة الموقف ميدانيا، فأصابنى الغاز المسيل للدموع فى مقتل لدرجة جعلتنى أصاب بحساسية فى صدرى لم أزل أعانى من بعض آثارها حتى الآن. وحين التقيت وزير الداخلية بعدها، قال لى: «وإيه اللى نزلك؟» الحقيقة اغتظت من الرد، ولكن ظل عندى سؤال يحيرنى وهو كيف يفكر ضباط وجنود الداخلية والجيش حين تصدر إليهم أوامر بالاشتباك مع متظاهرين، لا سيما مع رد الوزير بأنه من الصعب السيطرة على الجنود وقت الاشتباك. التقيت مع العديد من الضباط والمجندين، وأحيانا كانت النقاشات مطولة لدرجة كشفت عندى الكثير من تعقيدات النفس الإنسانية. وتذكرت آنذاك تجربة شهيرة لعالم نفس أمريكى اسمه ستانلى مليجرام تكتشف أن البشر لديهم قدرة مكبوتة لإطاعة السلطة حتى فى مجالات وأمور ما كانوا ليقبلوها فى الظروف العادية. بل إن بعض الدراسات الأحدث اكتشفت أن السلطة يمكن أن تولد عند الإنسان نزعة نحو الإضرار بالآخرين ماديا ومعنويا (المازوخية) تحت مزاعم الحرص على الصالح العام. والمثير فى التجربة طريقة إجرائها، حيث يكون هناك ثلاثة أطراف: الشخص المشرف على التجربة وهو الذى يعطى التوجيهات ممثلا للسلطة، وشخص يتلقى التوجيهات وهو هنا يمثل الإنسان العادى الذى تجرى عليه التجربة، وشخص ثالث يمثل دور مواطن يجيب عن الأسئلة وحين يخطئ يعاقب بجرعة من الكهرباء التى تدخل جسده. وهذا الشخص الأخير يتظاهر بالألم. والغريب أن الإنسان الذى تجرى عليه التجربة يتعرض لصاعقة كهربائية مبدئية ليتعرف على نوع الألم الذى سيصيب به الشخص الذى يخطئ فى الإجابة عن الأسئلة. وفى كل الحالات يقول الشخص الذى يتعرض للألم إن أخطأ إنه عنده بعض المشاكل الصحية فى القلب كتحذير للشخص السائل حتى لا يبالغ فى تعذيب غيره. ماذا كانت النتيجة؟ نزع أكثر من ثلثى المبحوثين إلى إساءة استخدام العقاب المتاح لهم من شحنات كهربائية مستجيبين لتوجيهات المشرف الذى يعبر عن السلطة متجاهلين استغاثات الضحية. تكررت التجربة عدة مرات فى سياقات مختلفة، وكانت النتائج متفاوتة فى نسب الإذعان للسلطة، ولكن ظل المبدأ قائما. وتنوعت التفسيرات: أولا، هناك تفسير يقوم على الفكرة الوجودية بأن البشر يولدون أشرارا وأن نزعة الإضرار بالآخرين من فطرته الأصيلة. وهنا يعود التذكير بمقولة فرويد بنزعة الطفل الصغير لتعذيب القطة الصغيرة. ثانيا، هناك تفسير يركز على نزعة البشر نحو «التعويض النفسى» عبر التخلص من الإحباطات الذاتية والطاقة السلبية من خلال إيقاع الإيذاء على الآخرين. ويجدون منطقهم فى أن المبحوثين من بعض الدول مثل الدول الإسكندنافية واليابان كانوا أكثر مقاومة لفكرة تعذيب الآخرين مقارنة بنظرائهم فى المجتمعات الرأسمالية. ثالثا، التقط دارسو العلوم السياسية التجربة للتأكيد على أهمية وجود «دولة القانون» التى تحمى المواطن من نفسه ومن نظيره المواطن ومن السلطة، ورجعوا بتحليلهم إلى «توماس هوبز» الذى سبق كل هذه التجربة بأن أسقط أى افتراض حول خيرية الإنسان وإنما أعلنها بوضوح أن البشر يولدون أشرارا حاقدين وما يمنعهم عن ذلك أن يتوقعوا عقابا شديدا على مخالفتهم لسلطان الدولة ذات السيادة. وبنى باحثون آخرون (منهم تشارلز تيلى) على أن كل المجتمعات التى أصبحت ديمقراطيات راسخة فى مرحلة ما مرت بلحظة هوبزية بما فى ذلك الدول الإسكندنافية واليابان والغرب بكل دوله. من أسف، يعلمنا التاريخ أن بناء الدولة، وحتى هدمها، مسألة مليئة بالدماء والضحايا والخسائر التى يسعى العقلاء لمنعها أو التقليل منها. لكن هى نفس قصة كل المجتمعات التى يظل أهلها يتصارعون ويتقاتلون وبعد أن يصلوا إلى حالة اللامنتصر واللامهزوم يقولون: لماذا كل هذه الدماء؟ وينتهون بعبارة السامرى الشهيرة: «وكذلك سولت لى نفسى». وتظهر الحكمة بأثر رجعى بعد أن نكون خسرنا وأخسرنا أنفسنا فوق ما نطيق. هذا ما يقوله العلم، وما يقوله التاريخ: السؤال: هل بيننا رجل رشيد؟ نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إطاعة السلطة وعقلية التسلط إطاعة السلطة وعقلية التسلط



GMT 04:11 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

. وماذا عن حجر رشيد؟!

GMT 04:10 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

استغِلوا «تغطية الجنازات» لإنقاذ المهنة

GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«عدّّى النهار والمغربية جايَّه»

GMT 04:06 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

حرب غزة في نادي الجزيرة!

GMT 04:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

ليس دفاعًا عن الفراعنة!

GMT 04:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الضفة الغربية

GMT 04:00 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

رأس نعمت شفيق

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:59 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
  مصر اليوم - أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 13:37 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

افتتاح مطعم وجبات خفيفة أثري في إيطاليا

GMT 08:36 2021 الخميس ,14 تشرين الأول / أكتوبر

خبير ديكور يوضح الفرق بين الحجر الطبيعي والحجر الصناعي

GMT 16:31 2021 الأربعاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"AZZI & OSTA" تطلق تشكيلتها الجديدة

GMT 23:47 2021 الأربعاء ,18 آب / أغسطس

"Dior Baby" تكشف عن مجموعتها لموسم خريف شتاء 2021-2022

GMT 23:17 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

​المصري يبحث التعاقد مع حارس مرمى في كانون الثاني

GMT 03:00 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

فتاة توجه نصيحة للمصريين بعد إصابة 12 فردًا من أسرتها بكورونا

GMT 21:54 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات لاستخراج بدل فاقد لبطاقة التموين فى مصر إلكترونيا

GMT 22:12 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

الأسهم الباكستانية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 22:31 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الثلاثاء 28 يوليو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon