توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مجتمع منفعل بلا معرفة

  مصر اليوم -

مجتمع منفعل بلا معرفة

معتز بالله عبد الفتاح

وجودى فى الخارج لفترة طويلة، بقدر ما ساعدنى على مراقبة مجتمعات أخرى، أفقدتنى التواصل الكافى مع بعض الأسماء المهمة فى حياتنا الثقافية، لذا كنت أجتهد فى زياراتى إلى مصر أن أتواصل مع بعض الأسماء المؤثرة فى المجال العام، وكان أحد هؤلاء هو المرحوم الدكتور المسيرى. التقيت الرجل عدة مرات وكنت أكتب وراءه بعضاً مما يقول وأعتقد أنه كان يرحب بأسئلتى ونقاشى معه. فى أحد اللقاءات، تطرق الحديث إلى أحد علماء اللغويات المشهورين، رودلف كارناب، الذى أوضح أن البشر يستخدمون اللغة عادة بإحدى طريقتين: الأولى تعبيرية انفعالية قائمة على الرأى والذات، وأخرى وصفية تصويرية تقريرية، وتكون اللغة تعبيرية Expressive حين تريد أن تقول إنها منصرفة إلى إخراج ما يشعر به القائل داخل نفسه، وبالتالى يستحيل على سواه أن يراجعه فيه، لأنه شعور ذاتى خاص به، مثل عبارة أن شيئاً ما جميل وممتع ورائع؛ ويلاحظ أن وصف هذا الشىء بأنه جميع وممتع ورائع جعل شعور الشخص به موضع اهتمامنا وليست طبيعة هذا الشىء، فنحن لم نعرف ما الشىء الرائع! هل هى لحوم أم خضراوات أم أسماك؟ وهذا حال أغلب المصريين، يحكون لك عن مشاعرهم، حباً أو كراهية، عن شىء أو شخص أو حدث قبل أن يصفوا لك بموضوعية أصل الحكاية؛ فالرأى عندهم سابق على المعلومة. أما العبارات التصويرية الوصفية العلمية، فهى التعامل مع الشىء بذاتها Descriptive، وليس بحكم انفعالى به ورأى فيه، أى بلغة أهل الاختصاص من دارسى الفلسفة: «وصف شىء خارج عن ذات القائل بغض النظر عن انفعال القارئ به». كان نتيجة حوارى مع الدكتور المسيرى، الله يرحمه، أننا مجتمع «منفعل» أكثر مما ينبغى: أى مجتمع يهتم بسؤال «ما رأيك» فى كذا قبل أن نعرف تحديداً ما هو هذا الـ«كذا» الذى نحن بصدد نقاشه. وحكى لى هو قصة عن أنه فى إحدى الندوات، قال كلاماً لم يعجب أحد الحاضرين، فقال له: «كيف تقول كذا وكذا، وأنت مفكر إسلامى؟». فكان رد الدكتور المسيرى: «من الذى قال إننى مفكر إسلامى؟ أنا عمرى ما وصفت نفسى بهذا الوصف لا قولاً ولا كتابة، وربما يكون من يبحثون عن «مفكرين إسلاميين» ظنوا أن انتقادى للغرب وللتحيزات الفلسفية فى بنيته الثقافية والسياسية جعلتهم يقولون إذن هو مفكر إسلامى بالإكراه». أظن أن هذه واحدة من آفاتنا التى تؤدى بنا إلى خسائر كبيرة، كبيرة جداً، تعالوا مثلاً نناقش قضية أتذكرها جيداً أيام وضع قانون انتخابات مجلس الشعب فى 2011 حيث كانت بعض النخبة السياسية تقول إن الأفضل لمصر هو «القوائم النسبية للأحزاب والمستقلين» تماماً بلا أى نسبة للفردى، وتكررت العبارة بشكل ببغائى وكأن الكل أصبح خبيراً فى النظم الانتخابية، دون التعرف على ماهيتها والنظر لعيوبها، والأطرف أن «الانفعال» والدفاع عن الانتخابات بالقوائم النسبية 100 بالمائة كان على الفاضى، وكان كاتب هذا السطور ومعه آخرون يقول يا ناس هذه مسألة فى منتهى التعقيد لأن الأحزاب نفسها غير جاهزة، ولا يعرف بعضها بعضاً، ومعظمها بلا مقار أو برامج حزبية أو التزام حزبى، ولو جعلتم النظام كله بالقائمة النسبية، فما مصلحة الشخص الذى سيكون فى ذيل إحدى القوائم أن يظل فى القاع بلا أى فرصة للفوز على الإطلاق؟ قطعاً سينتهى به الحال، إن كان جاداً، فى أن يسعى لعمل قائمة مستقلة به يكون على قمتها ويملأ بقية الأسماء فى القائمة بأقاربه وأصدقائه، المهم أن يكتمل العدد ويكون هو رأس القائمة، والمشكلة فى هذه الحالة هو أننا سنكون أمام عدد مهول من القوائم المستقلة التى تشكلت وكأنها على أساس فردى، بما سيضعف الأحزاب يقيناً، فتكون الإجراءات المتخذة غير متسقة، بل متناقضة تماماً، مع هدف تقوية الأحزاب. وأمام عينى وبعد أن تم إقرار نظام القائمة بنسبة الثلثين والفردى بنسبة الثلث، اكتشفت بعض قيادات الأحزاب أنها كررت المقولات التى تفضل «القوائم النسبية» انفعالاً، دون أن تعرف ما هى؛ أى «انفعلت قبل أن تعرف» و«حكمت قبل أن تتصور». ولا يزال مجتمعنا منفعلاً متفاعلاً فاعلاً مفعولاً به دون أن يعرف. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجتمع منفعل بلا معرفة مجتمع منفعل بلا معرفة



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon