توقيت القاهرة المحلي 09:29:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ولنترفق

  مصر اليوم -

ولنترفق

مصر اليوم

  لقد انفتحت أمامنا فجأة مساحة كانت مغلقة من حرية التعبير فقررنا أن نستخدمها بلا أى رَوية أو رؤية. ولقد كنت محظوظاً بأن استقبلنى مجموعة من شباب إحدى أسر جامعة القاهرة، وقد طلبت منهم أن يكون اجتماعى بهم محدود العدد قاصراً على عدد من أوائل بعض الكليات ممن لديهم أسئلة تتعلق بالشأن العام فتكون هناك فرصة أكبر للنقاش والأخذ والرد كى أتعلم منهم بقدر ما يمكن أن أضيف إليهم لو كانت هناك مساحة للإضافة. وهو أسلوب أفضله على اللقاءات العامة التى لا تكون هناك فرصة للتعلم المتبادل. ومن وحى بعض النقاشات قلت كلاماً سجله أحد الأصدقاء وطلب أن أنقله فى إحدى المقالات عسى أن يكون مفيداً. قلت للأصدقاء من الطلاب شيئاً عن طريقتى المتواضعة فى الحكم على الناس فى هذا الزمن الذى يختلط فيه الحق بالباطل. أولاً، المعاصرة حجاب: هناك أشياء وأحداث وأفكار وأشخاص كثيرون حكمنا عليهم فى حدود ما نعرف فى لحظة بذاتها. وبعد فترة نكتشف أن تقييمنا لهؤلاء الأشخاص كان متأثراً للغاية بالعاطفة الغالبة علينا آنذاك. والمثال الذى عشته فى مقتبل حياتى كان قرار زيارة الرئيس السادات إلى القدس وكيف كان المحيطون بى يصورون الأمر على أنه خيانة. ثم رأيتهم هم أنفسهم، بعد أن هدأ الانفعال، يعيدون الاعتبار للقرار حتى وإن كانت لهم بعض التحفظات عليه. كما أننى رأيت ناصريين كانوا لا يقبلون نقداً للتجربة الناصرية، أصبحوا أكثر توازناً للنظر إلى تلك المرحلة. ولا ننسى أن الناس تتغير عن قناعة حقيقية بحاجتها لأن تنضج وليس بالضرورة عن انتهازية. ولكن الانتهازى لا يرى فى تغير الآخرين إلا انتهازية مماثلة لانتهازيته. ثانياً، لا يسأل النظير عن نظيره: هناك أشخاص من الصعب أن يكونوا موضوعيين، أى يناقشون الموضوع دون أن يقيموه بالنظر لأشخاصه. وبالتالى أسمع تقييم الأشخاص والأصدقاء لبعضهم البعض، ولكن أظل حذراً من أن بعض الانتقادات من الممكن أن تكون غير دقيقة بحكم الغيرة الشخصية أو المقولة اليونانية الشهيرة: «الكثيرون ممن ينتقدون الآخرين يفعلون ذلك لأنهم يريدون أن يكونوا مثلهم ولم ينجحوا». ثالثاً، التفكير بالبدائل: الكلام المطلق سهل والشعارات الملهمة تصنع شعبية ولكنها لا تحل المشاكل بل ربما تصنعها. بعد أن ينتهى صاحب الشعارات الملهمة من شعاراته أسأله: ما البدائل الواقعية المتاحة أمامنا لحل المشكلة؟ وعادة ما يجد أصحاب الشعارات والمطلقات صعوبات حقيقية فى إنزال شعاراتهم على الأرض لأنهم حين يطلقون الشعارات ليس هدفهم حل المشكلة وإنما هدفهم غسل أدمغة الأتباع واصطناع البطولات المزيفة. لذا جاء فى الفكر السياسى من فرّق بين مدرستين كبيرتين: مدرسة أفلاطون القائمة على الأفكار الحالمة والجمهورية الفاضلة، ومدرسة أرسطو القائمة على المفاضلة بين البدائل. المدرستان مطلوبتان، ولكن أرى أن الثانية هى الأكثر قدرة على حل المشاكل، وتظل الأولى هى الأكثر قدرة على صناعة الخيال. رابعاً، التفكير بميزان المدفوعات الشخصى: كل إنسان فى الكون له حسناته وله سيئاته من وجهة نظر من يقيمه، وهو من تمام فهم معنى أن «لا إله إلا الله» أى أنه لا كامل ولا منزه عن الخطأ سواه ولا رازق ولا مانع ولا معبود بحق سواه. أما البشر فلا هم كاملون ولا هم منزهون عن الخطأ ولا هم رازقون وبالتالى لا يستحقون العبادة، وإنما يستحقون الحساب بالعدل وفقاً لما أحسنوا وما أخطأوا. والعدل يقتضى أن نذكر لمن يخطئ سابق الفضل إن كان له من فضل، وأن نرصد للفاضل سابق خطئه إن كان هناك من خطأ، دون تقديس أو ترصد. ولا نحول من نختلف معه فى الرأى وكأنه شيطان مريد. هذه الرباعية تجعلنى أقل تعصباً وعصبية وأكثر استعداداً لقبول من يخالفنى ولأن أتعلم من الآخرين. لذا: فلنترفق فى الحكم على الأشخاص والأحداث والأفكار، وبدلاً من أن يقول أحدنا: أنا أعتقد كذا وكذا، فليقل: أنا أزعم كذا وكذا. لأن بعض الزعم حكم أولى يمكن أن يكون خطأ. إذن ولنترفق، ولا نكره ولا نحب من لا نعرفهم جيداً، وإنما نختلف ونتفق معهم وفقاً للأسباب السابقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولنترفق ولنترفق



GMT 03:53 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهرامات مقبرة «الرابرز»!!

GMT 03:51 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الشعوب «المختارة»

GMT 03:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

اللاجئون إلى رواندا عبر بريطانيا

GMT 03:48 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 03:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

GMT 03:35 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عصر الكبار!

GMT 03:33 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بشارة يخترع نفسه في (مالمو)

GMT 03:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الغواية وصعوبة الرفض!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon