توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقاضى «بالحلبسة»

  مصر اليوم -

التقاضى «بالحلبسة»

معتز بالله عبد الفتاح

  جاء فى هذا العمود من قبل مقال عن الحكم «بالسكحاية» والمعارضة «بالبيستك ناو».. وكنت أتوقع انتقادات جادة بشأن موضوع المقال أو حتى اعتراض من قبيل «كيف يستخدم دارس للعلوم السياسية مثل هذه المصطلحات؟»، ولكن الاعتراض الأساسى كان على أن «السكاحاية» مكتوبة غلط وأنها لا بد أن تكتب «السكحاية».   وأتذكر أننى أعلنت إلى الشعب المصرى الشقيق آنذاك بعد أن اجتمعت فى نفس اليوم مع مجموعة من المنتمين للإخوان ومجموعة من المنتمين إلى جبهة الإنقاذ البيان التالى: يا شعب نحن نحكم بالسكاحاية ونعارض بالبيستك ناو. وتم تعريف السكاحاية آنذاك بأنها حالة لولبية قائمة على غطرسة حادة فى اللعاب وانفجار فى شرايين الذات المتورمة تعقبها انفلاتات لفظية مصاحبة لتشنجات عصبية تجعلك تعتقد أنك مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الوطن من المخربين والمتآمرين مهما قال الناصحون أو تفوه مدعو الفهم. أما «البيستك ناو» فهى حالة نفسية قائمة على ارتفاع درجة اللاوعى المصاحبة لتشنجات بذيئة مصحوبة بفوضى لغوية تعبر عن الاستياء العام والإدانة الجماعية المعبرة عن الاستلقاء المعرفى. وعموماً تظهر هذه الأعراض مساء بدءاً من الساعة الثامنة مساء مع أول ضربة تليفزيونية للبرامج المسائية.   وبما أن ذلك كذلك، فلا بد من استكمال منظومة العبث السياسى والفكرى الذى نعيشه بمناقشة موضوع «التقاضى بالحلبسة». هل عمر حضراتكم جلستم مع قضاة يحكمون فى قضايا قتل المتظاهرين وعرفتم ما يعرفون؟   نفسى حضراتكم تسمعوا منهم. عجب والله العظيم عجب.   الخلاصة أننا كمن يريد أن يستخدم الآلة الكاتبة وكأنها مثل الكمبيوتر وهى لا يوجد فيها ذاكرة أو «هارد درايف».   أحد القضاة الذين جلست معهم قبيل جلسة إعادة محاكمة الرئيس مبارك قال لى: «القضاء فى مصر الآن يعانى من السكاحاية والبيستك ناو مع بعض»، فقلت له: «إذا كان الاثنين مع بعض، يبقى دى غالبا الحلبسة علشان ما نلخبطش الأمور، لكن لماذا؟» عدة أسباب:   أولاً، الشكوى ترتبط بغياب المواد القانونية التى تسمح لهم بإدانة قاتلى المتظاهرين فى ظل وجود مشكلة غياب الأدلة نفسها أو وجودها مع فساد فيها أو عدم مطابقة المكتوب فى المحاضر مع المُحرز من الأدلة.   ثانياً، هم على يقين أن معظم ضباط الشرطة لن يدينوا أنفسهم وأن هناك تغييباً للأدلة وتشويهها بحيث يصعب تحديد من الذى وراءها وإقامة الدليل عليه وفقاً للنصوص القانونية الحالية. لدرجة أن أحدهم قال ما معناه «جرائم قتل المتظاهرين هذه مثل الجريمة الكاملة».   ثالثاً، هناك مشاكل تقنية فى جهاز الطب الشرعى على نحو يجعل الكثير من التقارير موضع شك وأحياناً تكون مضللة.   رابعاً، قال أحد القضاة ساخراً: «إن القانون الذى كان مطبقاً وقت المظاهرات والاحتجاجات لم يكن يأخذ فى اعتباره احتمالات قيام ثورة. القانون لا يعرف الثورة»، وعلى الثورة أن تأتى بقوانين جديدة -وهذا ما يسمى قوانين العدالة الانتقالية- لمحاكمة من أخطأ.   خامساً، أفعال الاحتجاج المفضية للثورة تظل جرائم تخالف القانون إلى أن تنجح الثورة ويتم تغيير القوانين، وإلا تظل «جرائم» فى حكم القانون (أى لا تحظى بالمشروعية القانونية) وتصبح أفعالاً شرعية وعظيمة فى أذهان من قاموا بالثورة وأيدوها: أى غير مشروعة ولكنها شرعية فى نفس الوقت.   سادساً، ما المطلوب من القضاة تحديداً؟ هل نريد قضاء مستقلاً أم قضاء مسيساً؟ هل المطلوب تطهير القضاة على نمط «مذبحة القضاة» فى عهد الرئيس عبدالناصر حيث تخلص ممن لا يتبنون الخط الناصرى؟ هل يكون تطهير القضاء فى نسخة 2012 عبر خفض سن المعاش للتخلص من آلاف القضاة كما أشيع وتكون هذه مذبحة جديدة؟ ألن يفتح هذا الطريق للادعاء بأنها تفريغ للمناصب من أجل أخونتها؟ وما معنى أن يكون المنطق السائد، نريد قضاء نزيهاً ومستقلاً يحكم بإعدام فلان، وإلا فهو غير نزيه وغير مستقل؟   عشرات الأسئلة والحالات سمعتها وناقشتها مع بعض القضاة. وحين سألتهم لماذا لا يخرجون على التليفزيون ليقولوا هذا الكلام للرأى العام؟ وكان الرد أن تجاربهم فى توضيح هذه الأمور للرأى العام لم تكن إيجابية والناس تسمع فقط ما تريد. إنها الحلبسة فى أعظم أشكالها. وربنا يستر.   نقلاً عن جريدة الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقاضى «بالحلبسة» التقاضى «بالحلبسة»



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon