توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللغة والدين والدستور والعقول

  مصر اليوم -

اللغة والدين والدستور والعقول

معتز بالله عبد الفتاح

هل تتذكرون القصة التى تقول إن الرسول الكريم أمر أصحابه ألا يصلوا العصر إلا فى بنى قريظة؟ فصلى بعض الصحابة العصر فى منتصف الطريق حين أدركهم وقت صلاة العصر، وأخّر البعض الآخر الصلاة حتى وصل إلى بنى قريظة فصلى هناك. الفريق الأول غلّب زمان الصلاة على مكانها، والفريق الآخر غلّب مكان الصلاة على زمانها. ولم ينكر الرسول الكريم على أى منهم ما فعل. هذه واحدة. هل تتذكرون الآية الكريمة التى جاءت فى سورة الكهف عن الرجل الصالح الذى خرق السفينة كى يعيبها لأنه كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا؟ ولكن لماذا يعيبها إذا كان الملك يأخذ كل السفن غصبا؟ إذن تقدير الكلام لذوى العقول النيرة هو أن العبد الصالح يقصد: «وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة سليمة من أى عيب غصبا». ولكنه افترض فينا شيئاً من الحكمة، فلم يأت النص كاملاً اعتماداً على عقولنا النيرة. هذه ثانية. أما الثالثة فهى من آيات القرآن الكريم، قال تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» يبدو من هذه الآية أن قتال غير المسلمين واجب شرعى بلا أى قيد أو شرط. ولكن يأتى العقلاء ليقولوا إن هذه الآية «مطلق» عليه عدة قيود مثل: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ». وهناك قيد آخر: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ». وهكذا. أما الرابعة فهى من الدستور الأمريكى حيث ظل دائماً خلاف بين مادتين شهيرتين فى الدستور الأمريكى: الأولى هى المادة المعروفة باسم «المادة المرنة» (المادة 18 من الجزء 8) والتى تعطى للكونجرس الحق فى أن يسن القوانين الضرورية والملائمة لتنفيذ كافة المهام التى تؤدى إلى وحدة الاتحاد الأمريكى وإلى احترام حقوق مواطنيه. ويأتى التعديل العاشر فى الدستور الأمريكى والذى أُقر بعد 4 سنوات كجزء من عشر مواد تم الاتفاق على إضافتها للدستور الأمريكى والتى عرفت باسم: «إعلان حقوق الإنسان». ينص التعديل العاشر على أن أى سلطة أو صلاحية غير منصوص عليها صراحة فى هذا الدستور للسلطة المركزية فهى بالضرورة من حق حكومات الولايات والأشخاص، وبالتالى ليس من حق الحكومة المركزية أن تتدخل فيها. طبعاً هنا يكون السؤال، لو أن الدستور الأمريكى لا ينص على وجود عملة واحدة للولايات المتحدة، هل هذا يعطى للحكومة المركزية فرض هذه العملة على الولايات؟ الحقيقة أن هذه واقعة تاريخية حيث إن ألكسندر هاميلتون استند إلى المادة المرنة حتى يقوم الكونجرس بإنشاء بنك مركزى ويصدر عملة موحدة، واحتج معارضوه بالتعديل العاشر الذى يقول إنه طالما أن هذه الصلاحية لم تُذكر صراحة فى الدستور كحق من حقوق السلطة المركزية، إذن فلا مجال لفرض بنك مركزى وعملة موحدة. وظل الجدل مستمراً إلى أن حكمت المحكمة الدستورية العليا بأن المادة المرنة هنا غير مقيدة بالتعديل العاشر لأن وجود بنك مركزى وعملة موحدة أمر ضرورى وملائم للحفاظ على الاتحاد. بل إن المحكمة الأمريكية فى مرحلة أرست حكماً ثم محكمة لاحقة بعد حوالى 100 سنة خرجت عليه بعد أن غلّبت مادة على مادة. والمثال الشهير هو حكم المحكمة فى مرحلة بجواز الفصل العنصرى ثم تغيير الحكم لاحقاً بعدم جواز الفصل بين البيض والملونين. إذن ما الذى نستفيده مما سبق: أولاً، خلا الرياضيات والعلوم الطبيعية، ستظل اللغة دائماً حمّالة أوجه. ثانياً، النصوص تتفاعل مع العقول لتنتج المعانى والممارسات، والنصوص العظيمة حين تتفاعل مع عقول حمقاء فسيسيئون إليها. ثالثاً، فى مجال السياسة، موازين القوى على الأرض تعطى للنصوص مدلولاتها العملية. رابعاً، لو حكم عقول الناس رباعية «الغين» أى الغل والغيظ والغطرسة والغباء، فلن ينفع معهم لا دستور ولا كتب مقدسة. خامساً، التزام أحكام المحكمة الدستورية العليا عند الخلاف التشريعى واستشارة هيئة كبار العلماء عند الخلاف الشرعى ممكن أن يحل الكثير من المشاكل فى قابل الآيام. أو هكذا أظن. نقلاً عن جريدة " التحرير " .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللغة والدين والدستور والعقول اللغة والدين والدستور والعقول



GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 16:39 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أفضل انواع "الأرضيات الصلبة" في الديكور المنزلي

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

نادين نجيم تتألق في حفلة Bulgari Festa في دبي

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الآثار تصدر الجزء الأول من سلسلة الكتب عن مقابر وادي الملكات

GMT 10:34 2017 الأحد ,23 إبريل / نيسان

نيرمين الفقي تنشر صورة جريئة تكشف عن مفاتنها

GMT 15:16 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يرتدي الزي الجديد في تصفيات أمم أفريقيا

GMT 08:14 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تغزو عالم التزلج على الجليد بمجموعة فريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon