توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المتحيز والموضوعى والمتوازن

  مصر اليوم -

المتحيز والموضوعى والمتوازن

معتز بالله عبد الفتاح

حين نطالع بعض كتب التفكير النقدى (Critical Thinking) نجد أنها تقوم بالتفرقة بوضوح هذه المصطلحات الثلاثة مصطلحات وتربطها بشكل مباشر بمجالات السياسة والإعلام والدين لأنها المجالات التى عادة ما يكون فيها مساحة كبيرة من الجدل والصراع. الفرق بين الموضوعى والمتحيز هو كالفرق بين الحقائق والآراء، ويفترض أن الموضوعية هى التحييد التام للمشاعر والمصالح؛ فيكون المتحدث أو الكاتب بعيداً تماماً عن أى تأثيرات شخصية أو حزبية أثناء إصداره أى أحكام. أما المتحيز فهو من يغلب المشاعر (بغض وحب) أو المصالح على أحكامه؛ فهو كمن يرتدى نظارة حمراء فيرى الكون كله بهذا اللون، ويقف على النقيض منه من يرتدى النظارة الزرقاء فيرى الكون كله بهذا اللون. وبين هؤلاء وأولئك ولصعوبة الطرح الموضوعى غير المتأثر بالمشاعر والمصالح، ولاستحالة الوصول إلى الحقيقة بالاستماع فقط إلى الآراء المتحيزة، اخترع البشر فكرة «التوازن» فى الطرح. وهى أن يفترض فى الشخص، إن استطاع، لأن الكثيريين قد لا يستطيعون ذلك بحكم التركيب الشخصى أو نوعية التعليم الذى تلقوه، أن يرتدى النظارة الحمراء لبعض الوقت ليفهم كيف يفكر هؤلاء ثم يرتدى النظارة الزرقاء بعض الوقت ليفهم كيف يفكر أولئك ثم يصدر حكمه بعد الاستماع لكل الأطراف. ولا غرابة فى ذلك، فهذه هى مهنية القاضى النزيه الذى عليه أن يوازن بين الأدلة المختلفة وصولاً إلى حكم عادل. وهو دور الحكام البارعين فى مباريات الرياضة حيث يقررون بكل حيدة من ارتكب مخالفة ونوع العقوبة الموقعة على اللاعب. ومن هنا جاء مصطلح «نافخ الصفارة» أو «whistleblower» ليشير إلى مجموعة من الأشخاص أو الجمعيات المستقلة غير المنحازة سلفاً والتى تقوم بدور ضمير المجتمع والمنبه له حال وقوع فساد من أى شخص أو مؤسسة بغض النظر عن انتمائه السياسى أو الدينى أو الاقتصادى. السؤال كم شخصاً أو صحيفة أو محطة تليفزيونية أو مؤسسة مجتمع مدنى تعمل فى مجال حقوق الإنسان فى مصر تتصف بالتوازن (ولن أقول الموضوعية)؟ أترك الإجابة للقارئ، لكن بالفعل نحن نواجه مشكلة أننا مجتمع من «الهتيفة». كل واحد عنده أهله وعشيرته وأنصاره الذين جمعوا خصال الخير كله ضد جماعة أخرى ممن جمعوا خصال الشر كله. ولا يتصور عند أى من الفريقين أن يكون هناك بينهما أشخاص لا ينتمون لأى من الفريقين أو لا يجعلون انتماءهم لأى من الفريقين يمنع عنهم قول الحق حتى لو كان فى صالح الفريق المضاد. ومع سيادة منطق «الهتيفة» فإن الرأى لا بد أن يكون بأعلى صوت وبأقل درجة من درجات اللياقة وكأنها ساحة لتبادل السباب. الإمام مالك يقول: «إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب فاعلم أنه معلول النية لأن الحق لا يحتاج إلى هذا». ويقول ديفيد هيوم: «قوة المنطق لا بد أن تكون أقوى وأكثر منطقية من منطق القوة، وإلا اختفى المجتمع». وكما قلت من قبل، لا أخشى على مصر من إسرائيل أو أى دولة أجنبية، أخشى على مصر من بعض المصريين حين يضعون الشخص فوق المبدأ، الذات فوق المجموع، النفس فوق العقل. نعم أخشى على مصر من المصريين حين يفكرون بمنطق الثأر وليس بمنطق العدل؛ بمنطق الماضى وليس بمنطق المستقبل، بمنطق العصبية وليس بمنطق التعددية. أخشى على مصر حين يتحزب أهلها ويتعصبون فتضيع منهم القضية. هل تتذكرون حينما خرج بعض المصريين منتصرين لسعد زغلول ورافضين لعدلى يكن حتى ولو كان على حساب القضية رافعين شعار: «الاحتلال مع سعد خير من الاستقلال مع عدلى»؟ هذه عصبية بغيضة إن تمكنت من قوم أفقدتهم صوابهم، هى نفس العصبية البغيضة التى جعلت أتباع مسيلمة الكذاب يدافعون عنه لأنه من قبيلة «رَبيعة» ولم يؤمنوا بالرسول محمد لأنه من قبيلة مُضر قائلين: «كذاب رَبيعة أحب إلينا من صادق مُضر». والكل يظن أنه يحسن صنعاً، وسيظلون مختلفين إلى أن يحكم بيننا الله يوم القيامة. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتحيز والموضوعى والمتوازن المتحيز والموضوعى والمتوازن



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon