توقيت القاهرة المحلي 15:28:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حضرَ الشيخُ ولم يحضرْ القدوةُ

  مصر اليوم -

حضرَ الشيخُ ولم يحضرْ القدوةُ

جيلاني العبدلي

الذين يرتادون المنابر الدينية ويتابعون البرامج الإعلامية، يمكنهم بسهولة ملاحظةُ العددِ الضخمِ من الشيوخ الذين يتصدّرون المجالس المختلفة، سواء كانوا متحاورين متناظرين أو كانوا مفسّرين معلّمين وناصحين موجّهين.. وعلى أهمية الدور الحيوي الذي يلعبه هؤلاء الشيوخُ في نشر الثقافة الإسلامية وفي إشاعة التعاليم الدينية وفي تربيّة الناس على القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة، فإنّ رسالتهم التي ارتضوها لأنفسهم قد اتخذتْ طابعا نظريا تنظيريا، واكتستْ علاقاتهم بالناس بُعدا افتراضيا تراسُليا، بحيثُ لم يترجموا أقوالهَم بين الناس إلى أفعالهم، ولم يَقرِنوا في حضرتهم سلوكَهم بخطاباتهم، ولم يمشوا في الواقع على رؤوس الأشهاد بأخلاقهم، ولم يجسّدوا في عيون الملإ القدوةَ الفاضلةَ الواجبَ اتباعُها والنموذجَ الحسنَ المفروضَ تقليدُه والنسجُ على منواله.. هؤلاء الشيوخ بقدر ما تقلّبوا في المجالس والمنابر والمحافل، وبقدر ما تفنّنوا في التفسير والتحليل والاستنتاج، بقدر ما اغتربوا عن النّاس، وانقطعوا عنهم، وارتهنوا للخطابة والمناظرة، وتركوا في الواقع فراغا هائلا لم يُتِحْ إمكانياتِ تقويم الأعمال وتعديل السلوك، بالنظر إلى ما يكون من قدوات حسنة تمشي بين الناس وأمثلةٍ مميزةٍ يَصدقُ فعلُها قولَها، وتكونُ معيارا يقيس به ومن خلاله الفردُ مدى تحلّيه بالخلق الحميد ودرجةَ ترقّيه في سلّم الفضيلة ومستوى ابتعاده عن الشرور ومهاوي الرذيلة.. إنّ القدوة الحسنة لَتمثّلُ مكانة هامة في حياة الناس، وإنّ لها لَوقْعا خاصّا في نفوسهم، ذلك أنها تقدّمُ لهم صورة نموذجية لما يجب أن يكون عليه الأفرادُ من تطبيق جيّد للتعاليم والقيم والمبادئ السامية، وتشدُّ اهتمامَهم وعقولهم، وتفرضُ احترامَهم وانقيادَهم للضوابط السليمة والمعايير القويمة، وتكونُ بمثابة المحرار الذي يمكّنهم من مقارنة أنفسهم بغيرهم ومعرفة أيّهم أفضل وأهدى وتبيّنُ حدودَ تميّزهم وتمايزهم في مكارم الأخلاق بالقياس إلى الأسوة الحسنة بينهم التي تعايشهم وتشاركهم همومَهم ومشاغلَهم وتعاملهم بحسن الخلق وطيبة النفس ودفء المعشر.. وإذا كانتْ مجتمعاتُنا في حاجة إلى شيوخ باعتبارهم ملقّنين ومفسّرين ومعلّمين وناصحين وموجّهين بخطاباتهم المؤثّرة وكتاباتهم المتعدّدة، فإنّ الحاجة لَتبْدُو أشدَّ إلى قدوات حسنة تترجمُ الأقوال إلى أفعال، وتقدّمُ للناس أمثلة تطبيقية لما يجبُ أن يكون عليه السلوكُ القويم والفعلُ الحكيمُ. ويا حبّذا لو يُعيد الشيوخ توزيعَ جهودهم وتنظيمَ أوقاتهم، بما يتركُ لهم المجالَ مُتاحا للنزول إلى الميدان، والسير بين الناس في الأسواق والمسارح والمقاهي والمراكز، حتّى يكونوا الأسوةَ الحسنةَ التي جسّدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الأكارم. وبالإجمال يمكنُ القولُ أنّه قد آن الأوان للمرور من القول إلى الفعل، ومن التنظير إلى الاختبار، لتقديم الدليل والمثال، وجعل السّلوك مرآةً للمسلم وعلامةً دالة عليه وعلى دينه قبل كلامه وسجاله، أما الخطبُ والمناظراتُ وحدها فهي على أهميتها، ستظلّ في غياب التطبيق المثالي محدودةَ الأثر، لأنّ الكلام الجميل وحده لا يثمرُ ولا يزهرُ، وبالتالي سيبقى الناس في تخبطهم يسيرون في الواقع بلا بوصلات تضبط وجهاتهم السليمة، وتُساعدهم على الترقّي في سلّم الفضيلة. فهلْ يُعيد شيوخُنا الأفاضلُ النظرَ في ما قدّموا للناس، وفي ما لم يقدّموا؟ وهل يأتي يومٌ نراهم فيه بيننا يمشون فينا بما حدّثوا فيكونون رسُلا فينا بأقوالهم وأفعالهم، ويصبحون أسوةً بيننا تنتزعُ منّا توقيرَنا لهم وتفرضُ اقتداءَنا بهم؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حضرَ الشيخُ ولم يحضرْ القدوةُ حضرَ الشيخُ ولم يحضرْ القدوةُ



GMT 15:22 2023 الأربعاء ,23 آب / أغسطس

سأغتال القصيد

GMT 11:37 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

البشر تصبح كالخرفان في مجتمعاتنا التي يحرّم فيها التفكر

GMT 12:46 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 12:57 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 16:19 2023 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

فلسطين بين رمضان والفصح المجيد

GMT 12:09 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

GMT 11:30 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم في العصر الجاهلية

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا
  مصر اليوم - مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon