بدأت بمعاناة عمال مصنع "القوطة للصلب" بعد توقف دام عام ونصف وهروب صاحب المصنع تاركًا خلفه ديون تمثلت في 16 مليون جنيه لشركة الكهرباء و6 ملايين لشركة الغاز؛ انكسار وذل وتشريد يُصيب عائلات ألاف من عمال المصنع، ضبابية الرؤية لدى الحكومة في السيطرة على أزمة المصنع لم يجعل للعمال حيلة سوى "إدارة الذات" وسيلة جديدة للتحكم في مصير الغلابة.
عاد المصنع بالعمل بنسبة تشغيل تزيد عن 50% تحكمت فيها لجنة إدارة المصنع المكونة من عمال لا يعرفون سوى العمل ليل نهار لسداد مديونية المصنع والاكتفاء الذاتي بين بعضهم البعض، وهو ما يسمى بـ"التشغيل الذاتي للمصانع" وسط تجاهل حكومي ووزاري من القائمين على القوى العاملة تجاه المصنع والأزمة الخاصة بهم؛ إلا أن نجاح التجربة التي تُعد الأولى من نوعها أربك الحكومة وأصبح بمثابة القشة التي تتعلق بها كثير من المصانع التي ستواجه نفس مصير قوطة.
من جانبه أعلن وزير القوى العاملة آنذاك كمال أبو عيطة، امتثاله لهذه التجربة الناجحة في التشغيل الذاتي لكثير من المصانع القطاع العام التي انخرطت في تيار الخصخصة وواجهت نفس المصير؛ حيث ناشد منظمة العمل الدولية للمساعدة في عملية التشغيل الذاتي لمصانع القطاع الخاص التي بلغت 4603 ألاف مصنع عام2013.
وخلال تجارب النجاح والفشل يرصد"مصر اليوم" نماذج واقعية شاهدة على عملية التشغيل الذاتي لمصانع القطاعين العام والخاص، لتسلط الضوء على إرادة عمال ودور دولة.
يروي تجربة شركة "نوباسيد" في التشغيل الذاتي المهندس عماد الشوباشي، مفوض العمال عن التشغيل الذاتي بالشركة قائلا " لقد حقق العمال نجاحًا كبيرًا خلال إدارتهم للشركة لم يحققه المستثمر ولا الدولة ذاتها، ففي خلال سنة واحدة تم تسديد أرباح العمال المتأخرة لمدة ثلاث سنوات كما رفعنا المرتبات، فضلًا عن تحقيق فائض تم وضعه بأرصدة الشركة بعد أن قام المستثمر بسحب أرصدتها كافة قبل هروبه خارج مصر".
و أوضح الشوباشي أن الشركة كانت تابعة للقطاع العام بالدولة إلا أنها كالعديد من المصانع التي فرمها قطار الخصخصة تم بيعها للمستثمر السعودي الذي قام بدوره باضطهاد العمال والضغط عليهم، وقد تم التحفظ على الشركة مرة أخرى عقب رفع العمال لقضية بطلان عقد البيع، مضيفًا " ثم جاء القانون الذي أصدره المستشار عدلي منصور بحصر حق الطعن على عقود الدولة بينها وبين الطرف الآخر مما أدى لإعادة الشركة مرة أخرى للمستثمر لحين الفصل القضائي في الطعن على القانون .
واستكمل: "عقب عودة المستثمر قام بفصل عدد كبير من العمال والمهندسين الذين شاركوا في عملية التشغيل الذاتي للمصنع انتقامًا منهم، لتصل عدد قضايا الفصل التعسفي المرفوعة ضده لـ40 قضية، متهمًا الحكومة في الوقت نفسه بوضع العديد من العقبات والعراقيل أمام تجارب التشغيل الذاتي للمصانع حيث لم تقم بمساعدتهم ماديا بشكل نهائي ،فضلا عن دورها السلبي في التخلي عن حق الوطن في الشركة وإعادتها للمستثمر دون انتظار الحسم القضائي والتخلي عن العمال الذين تم التنكيل بهم وفصلهم
أما الشركة الدولية للمنتجات الورقية ومواد التعبئة “انكوباب” ، فعلى مدار سنوات ناضل العمال للحصول على تصريح لتشغيلها ذاتيًا بعد هروب المستثمر بقروض من البنوك ومحاولته "تطفيش" العمالة وإغلاق الشركة، إلا أنهم واجهوا التعنت من مختلف الأنظمة التي مرت على حكم مصر خلال السنوات الأخيرة لتنتهي الشركة بوقفها بشكل نهائي لتتوقف إحدى تروس الصناعة المصرية ويضيع عمالها.
وفي هذا الصدد يقول محمد سلطان عبده أحد عمال " إنكوباب ":" لقد توقف العمل في الشركة تدريجيًا في عام 2009، وبشكل كامل في ٣٠ يناير/كانون الثاني ٢٠١٢ ، ليتوالى الانهيار حيث تم منع المواصلات الخاصة باِلعمال في مايو/أيار ، ثم امتنع المستثمر عن صرف الأجور الشهرية بدء من إبريل/نيسان ٢٠١٢، وعدم صرف أي علاوات سنوية منذ عام 2010" .
و أضاف عبده: " بعد هروب صاحب العمل، حاولنا استصدار تفويض لتشغيل الشركة ذاتيًا، إلا أن تعسف بعض الأجهزة وقف حائلًا دون ذلك"، متابعًا أنهم تمكّنوا بالفعل من إدارة الشركة ذاتيا عقب هروب "فريد وديع جرجس طوبيا" صاحب الشركة لمدة 6 أشهر، ولكن لم يستطيعوا الاستمرار بسبب عدم وجود خامات، وعدم مساعدة الحكومة لهم بأي وسيلة ممكنة، بحسب قوله.
وأشار عبده إلى أن تلك الشركة كانت واحدة من أكبر الشركات في مجال صناعة التعبئة والتغليف، ويتبع لها عدة مصانع كمصنع الأجولة المنسوجة “الرافيا” في المنطقة الصناعية الثالثة مدينه ٦ أكتوبر، ومصنع الفيلم في المنطقة الصناعية الثالثة، ومصنع الطباعة في المنطقة الصناعية الخامسة.
وتوضّح القيادية النقابية والناشطة العمالية هدى كامل، أن تجارب التشغيل الذاتي بالرغم من قلة عددها إلا أنها أثبتت نجاحًا كبيرًا ولم يعرقلها سوى الظروف المحيطة السيئة وتعنت جهات الدولة المختلفة تجاه العمال، متهمة الدولة بمقاومة تلك التجارب ومحاربتها لأنها تُعرقل قطار الخصخصة الذي انطلق منذ سنوات طويلة في مصر ولم يتوقف حتى الآن .
وأشارت كامل إلى أن شركة "قوطة للصلب " لم يكن حالها أفضل من حال شركة إنكوباب حيث قاومت الدولة مساعي عمالها كافة للتشغيل الذاتي، فبعد أن استطاعوا الحصول على التصريح وبدأوا بالفعل بالعمل بدأت شركة المرافق العامة كالغاز والكهرباء بمطالبتهم بتسديد ديون المستثمر الهارب، وقد تمكن العمال بالفعل من جدولة تلك الديون، واتفقوا مع مجلس إدارتها المنتخب من بينهم على خصم نصف مرتباتهم لشراء المواد الخام وتسديد الديون البالغة 17 مليون جنيه لشركة الغاز و 6 مليون للكهرباء، إلا أن التجربة توقفت نتيجة لعدم وجود دعم.
أرسل تعليقك